أرباح مضاعفة لدورة رأس المال في ظل غياب المساءلة المباشرة. ارتفاع الأسعار.. ضوابط وهوامش على الورق تجافي الحقيقة.. وترهق المستهلك
يبدو أن مسألة الارتفاع المتواتر لأسعار السلع والمواد في الأسواق مع ارتفاع أسعار الصرف وعدم حدوث أي زيادة تذكر على نفقات الشحن والنقل مثلت قضية حنكة تجارية في ظل غياب الإجراء الحاسم من المعنيين لأن دورة رأس المال ضمن السوق عادت بأرباح مضاعفة في ظل غياب المساءلة المباشرة، وجعلت مجموعة تجار يتحكمون بالأسواق لجهة انسياب السلع والخلل في آلية العرض والطلب
والسؤال لماذا النمو التصاعدي في أسعار السلع والمواد في ظل غياب المسببات,.وأين دور المرجعيات التموينية,وكيف تنظر مديرية حماية المستهلك لهذا الأداء,وماذا تقول نقابة المهندسين الزراعيين, وهل القضية حنكة تجارية كما يرى خبراء الاقتصاد. مع بدايات الحرب الإرهابية المفروضة على بلدنا كان الراتب الوسطي لموظف الدرجة الأولى يعادل تقريبا 40 ألف ليرة، واليوم بعد مضي ست سنوات من عمر هذه الحرب التي تراجعت فيها قدرة الراتب الشرائية بشكل ملحوظ، فمن كان راتبه آنذاك 40 ألفاً أصبح نحو 60 ألف ليرة، لنكتشف أن الأسعار تضاعفت على أرض الواقع أكثر من 10 أضعاف ولنجد أن دخل المواطن الشهري ازداد ضعفا واحدا فقط. وكلما حاول المستهلك إبداء بعض الامتعاض من الأسعار أمام أصغر بائع بقالية خاصة على السلع اليومية من خضار وفواكه يبادرك البقال بالقول: سعر البطاطا والبندورة بـ 500 ليرة يعني 30 ليرة قبل الأزمة وكأنه لم يتغير على المستهلكين أي شيء مما حصل من جنون في الأسعار فاق الوصف، فكل أسبوعين تقريبا أو أقل هناك أسعار جديدة يفرضها تجار السوق والمستهلك مضطر للرضوخ، فهو لا يستطيع الاستغناء عن قوته اليومي وخاصة المتطلبات الأساسية المتعلقة بالخضار والفواكه..حتى الأخيرة صار البعض يعتبرونها من المحرمات في كثير من الأيام علَهم يعدلون كفة الارتفاع السعري ولن يعدلوا
شجون
حديث له شجون.. فالخضار والفواكه أسعارها تستهلك أكثر من نصف الدخل الشهري للمواطن، ومازالت تشهد ارتفاعات سعرية شبه أسبوعية وأصبحت وفق الكثير من المستهلكين من الكماليات، يمر من جانبها المواطن مرور الكرام ويكتفي بإبداء إعجابه بها دون أن يقربها في الواقع العملي وإذا ما اضطر لشراء بعض أصنافها أمام إلحاح أولاده الصغار فسينكسر مصروفه الشهري لا محالة.
ونتساءل هنا هل هي شماعة الأزمة التي بات يستخدمها الكبير والصغير لتبرير الارتفاعات الصاروخية بالأسعار. أم إن هناك أسباباً حقيقية أخرى لارتفاع أسعار الخضار والفواكه وسواها، وبالطبع تعتبر الخضار والفواكه سلعا لا يمكن الاستغناء عنها كونها أساسية لكل بيت. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأسعار تتفاوت بين بائع وآخر ومن سوق لأخرى، فالبعض يقنع بهامش ربحي بسيط والأكثرية لا يعيرون هذه الهوامش أي اعتبار، حتى من كان يقنع بالخضار والفواكه البائتة نظرا لأن أسعارها كانت سابقا تنخفض في اليوم التالي بشكل كبير، بات الباعة لا ينقصون سعرها ليرة واحدة في هذه الأيام حتى ولو بقيت لديهم أياما. فهل يعقل أن سعر كيلو الخيار 300 ليرة، وهو من كان المستهلك لا يقترب إليه أبدا وسعر كيلو البندورة 500 ليرة، وهي تكاد تكون منظراً فقط دون أي عصارة حقيقية. بائع جملة للخضار في سوق الهال اعتبر أن أسباب ارتفاع الأسعار يعود بالدرجة الأولى برأيه لارتفاع سعر الصرف و قلة الإنتاج و أسعار التنقلات ، فالعديد من المحافظات إما انخفض إنتاجها وإما تلاشى بسبب ظروف الحرب التي نعيش مراراتها على مدى يقارب عشر سنوات. ولم يخف بائع الجملة وجود أسباب أخرى تضاف على كل سلعة تدخل وتخرج من سوق الهال ويتبعها إضافات لما يتم نقله للأسواق الفرعية، ما يضاعف سعر تكلفة الخضار والفواكه 4-5 مرات إن لم يكن أكثر وكذلك الحال بالنسبة لبقية السلع. أحد باعة المفرق للخضار والفواكه اعتبر أن مسألة النقل من السوق المركزي لباقي الأسواق مريرة وهناك استغلال واضح من كل الأطراف. وعن تباين أسعاره مع أسعار جاره الذي يعاني نفس تلك الظروف باعتبار المصدر واحداً، تذرع بأن جودة المواد تختلف من بائع لآخر والحقيقة أن ما وجدناه مختلفا من بائع لآخر سببه الجشع، والجشع وحده لدى أغلب الباعة الذين يتفاوتون بوضع هوامش ربحية، فالبعض يكفيه10 ليرات كربح على كل كيلو غرام والبعض الآخر لا يرضى أقل من 100 ليرة.
حتى إن الأسواق التي تعتمد على استيراد أنواع من البندورة والبطاطا لم تنخفض أسعارها رغم الكميات المستوردة وهذا نعزوه لسبب واحد وهو عدم اكتفاء هؤلاء بهوامش ربحية معقولة.
ولا ننسى هنا الباعة الذين لا يتعرضون لتلف جزء من بضاعتهم، كحال بائعي المفرق حيث يحملون خسائر التلف للمستهلك، تبعا للظروف أين الضوابط
مدير حماية المستهلك بوزارة التجارة علي الخطيب طالب بوضع ضوابط وهوامش سعرية على أرض الواقع وليس على الورق فقط، ابتداء من السوق المركزي ووصولا لأصغر بائع مفرق وهناك إمكانيات لضبط التلاعب بالأسعار لدى الجهات المعنية دون أدنى شك و لفت إلى أن الانتشار الواسع لبائعي الخضار والفواكه في السنوات القليلة المنصرمة يتطلب ضبط عملهم دون التذرع بشماعة الأزمة.
تشخيص السبب
رئيس اتحاد فلاحي دمشق محمد خلوف وضع النقاط على الحروف من جهة تشخيص أسباب ارتفاع أسعار الخضار والفواكه، فمن خلال مقارنة بسيطة قام بها رأى أنه بحال مقارنة الأسعار بالتضخم الحاصل لن نجدها مرتفعة، لكنها كذلك بالتأكيد مقارنة بدخل المستهلك المتدني.
وأشار خلوف إلى أن معظم المزارعين يتعرضون لخسائر كبيرة رغم ارتفاع سعر الخضار وذلك بسبب التكاليف العالية للإنتاج والنقل وأسعار الأسمدة وهي مجتمعة أدت لارتفاع الأسعار بشكل جنوني. وأكد أن الدخل الشهري للمستهلك لم يتم رفعه بما يتوازى مع التضخم الحاصل لذا نجد أن معظم أسعار الخضار والفواكه وبقية السلع الغذائية مرتفعة أمام تدني الدخل الشهري بشكل كبير، مع وجود أسباب أخرى تتعلق باختلاف وتباين الأسعار بين بائع وآخر وسوق وأخرى، كون التكاليف تختلف كثيرا وخاصة فيما يتعلق بالنقل.
غياب الإرادة
يبدو أن المسألة هي قضية حنكة تجارية برأي الدكتور علي كنعان من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق لأن دورة رأس المال ضمن السوق إن عادت بأرباح مضاعفة في ظل غياب المساءلة المباشرة، يجعل السلعة بيد تاجر واحد أو اثنين استطاعا الانفراد بالسوق، فغابت معايير التنافس السعري ما حقق لهذا التاجر أو ذاك مرابح طائلة خلال أشهر كان يحتاج لثلاث سنوات على الأقل لجنيها، ومن خلال عملية العرض والطلب يتم إيقاف تدفق سلعة يحتاجها السوق ضمن فترة زمنية معينة، ولأن المستهلك بات مغلوباً على أمره فهو يحتاج لهذه السلعة أو تلك مهما غلا ثمنها، فإن عملية تجويع السوق لفترة قصيرة تجعل كلا من التاجر الصغير وصولاً للمستهلك يخضعان للائحة السعرية الجديدة.
فارتفاع الأسعار خلال الأشهر السبعة الماضية حتى اليوم لا يبرره غلاء الوقود وندرته ولا النقل ولا تذبذب أسعار الصرف كشماعة لرفع الأسعار، لأنها منذ ذلك التاريخ ثابتة لم تتغير.
ويرى كنعان أنه لابد من توافر أمر واحد فقط لمعالجة مشكلة حمى ارتفاع الأسعار وهو الإرادة، بإيجاد فرق عمل من الجهات المعنية لديها السلطة والإرادة لإيقاف هذا المرض الخطير من جذوره.
البلاد برس – عبد الرحمن جاويش
Views: 6