لم يكن الرئيس حسان دياب بحاجة الى الدخول في زجاج الدعوة الى انتخابات مبكرة لكي يطلق رصاصة الرحمة على حكومته التي تبعثرت بعد انفجار المرفأ وباتت مجرد اشلاء تنتظر من يجمعها ويدفنها.
يقول العارفون ان دياب اراد ان يركب موجة الدعوة الى انتخابات مبكرة ظناً منه ان في ذلك محاولة ممكنة لامتصاص بعض نقمة الشارع من جهة ورمي الكرة الى المجلس النيابي من جهة ثانية.
ويشير هؤلاء انه لم يتشاور مع القوى السياسية المكونة للحكومة بهذا الموقف ما اثار استياءها، وبلغت درجة الاستياء عند الرئيس بري حدود السخط، لا سيما انه اساء الى المجلس النيابي الذي منحه الثقة.
وبرأي مصادر سياسية مطلعة ان موقف دياب سرّع في تقصير عمر الحكومة واحرج حلفاءه قبل خصومه، مع العلم ان الحكومة بدأت العد العكسي لانتهاء عمرها قبل انفجار المرفأ، لا سيما بعد فشلها في فك الحصار الدولي والعربي عليها، وفي وضع الازمة الاقتصادية والمالية على سكة الحل.
وتقول المصادر ان حكومة دياب تحولت في الشهرين الاخيرين الى عبء على القوى المشاركة فيها ونتيجة الاداء السيئ لبعض وزرائها، ولولا الاعتبارات والتوازنات السياسية لكانت هذه القوى أبكرت او سارعت الى نفض ايديها منها منذ شهر او اكثر.
وتضيف المصادر، بان استقالة وزير الخارجية ناصيف حتي كانت انذاراً صريحاً على ترهّل الحكومة وبدء حالة التصدّع فيها، لكن انفجار المرفأ وتداعياته جاء كالقشّة التي قصمت ظهر البعير.
والسؤال اليوم ماذا بعد حكومة دياب؟
كل المؤشرات تدل على ان البلاد لا تزال في مأزق يصعب التكهن حول الخروج منه، وقد يكون الرئيس دياب قد اصاب حين كرر في السابق في معرض الدفاع عن بقاء حكومته الكلام عن ازمة البديل عنها، ذلك ان الاجواء السياسية لا توحي بامكانية تشكيل حكومة جديدة بالسرعة المطلوبة او التي تحتاجها البلاد.
وهنا يطرح سؤال عن هوية الحكومة الجديدة وتركيبتها. هل سنعود لحكومة الوحدة الوطنية المشكلة من القوى السياسية الاساسية الممثلة في مجلس النواب؟ ام انها ستكون حكومة وحدة وطنية مقنّعة برئاسة الرئيس سعد الحريري وعضوية وزراء اختصاص من مستقلين ومحسوبين على القوى السياسية الاساسية؟ ام ستكون من اختصاصيين برئاسة رئيس حكومة من المستقلين؟
حتى الآن يصعب الجزم بالخيار الذي ستسلكه عملية تشكيل الحكومة، لكن الحل يحتاج الى جهد ووقت طويلين والى ما يمكن وصفه بالتسوية السياسية المتكاملة التي تؤسس لتشكيل حكومة قادرة على مواجهة اعباء المرحلة الصعبة المقبلة، ولا تكرر تجربة حكومة دياب.
ووفقاً للمعلومات التي يجري التداول فيها فان فرنسا تتهيأ للعب دور في دفع الحوار بين القوى السياسية اللبنانية لاعادة انتاج ما سمي بالعقد السياسي في البلاد. وهناك نظريتان في هذا المجال: الاولى تقول بان العمل سيتركز على بلورة تسوية سياسية شاملة تسبق تشكيل الحكومة المقبلة ويجري البحث والاتفاق على هذه التسوية من خلال طاولة حوار قد تعقد في باريس او في بيروت بحضور فرنسي.
وهذه النظرية دونها صعوبات ابرزها عدم حماس بعض القوى الداخلية والاقليمية لرعاية فرنسا للحوار لحسابات تتصل بالوضعين اللبناني والاقليمي. اما النظرية الثانية فهي مبنية على وضع تشكيل حكومة ائتلاف وطني في الاولوية قبل خوض مرحلة شاقة وصعبة من الحوار للوصول الى عقد سياسي او تسوية سياسية جديدة، لان البلاد لا تحتمل الانتظار طويلا وهي بحاجة الى حكومة فاعلة وقادرة على القيام بدور مزدوج: اولا اعادة لملمة وبناء ما هدمه انفجار المرفأ واستئناف الدورة الحياتية والاقتصادية في البلاد، وثانياً البدء في خطة انقاذ اقتصادية ومالية مقرونة بالاصلاحات المطلوبة.
وخارج هاتين النظريتين فان البلاد مرشحة لأن تبقى في مرحلة شد الحبال التي من غير المستبعد ان تشهد توترات سياسية وفي الشارع، وهذا ما يجعل المرحلة المقبلة حبلى بالمفاجآت.
Views: 6