Smiley face Smiley face Smiley face

في حديثه إلى أعضاء مجلس الشعب يوم 12/8/2020 قال السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية :
(القطاع الأهم وهو الزراعة فهو الأقدر على دعم دورة الاقتصاد بحكم دوره في مجتمعنا واقتصادنا منذ الأزل )
هذه حقيقة يقينية تؤكدها الجغرافيا والبيئة والتاريخ ومكونات المجتمع السوري ، فهنا إلى الشرق من دمشق تم العثور على أقدم قرية زراعية في التاريخ / موقع تل أسود/ تعود إلى 7800 سنة قبل الميلاد ، عثر فيها على كميات كبيرة من حبوب القمح النشوي والقمح القاسي والشعير والحمص والعدس، المتفحمة والتي زرعها سكان التل الأوائل، وكذلك تم العثور على مناجل الحصاد وهي عبارة عن شفرات من عظام حيوانية حادة وطويلة مثبتة على قبضات من العظام أو الخشب ,كما عثر على فأس ونصل المنجل ، ويظهر على الوجه العلوي ما يسمى بلمعة المنجل التي تدل على مدى استعمال هذا المنجل في الأعمال الزراعية.
وبناء على تحليل الكربون المشع/c14/ ثبت أن عمر الاستقرار البشري في هذا الموقع يعود للفترة الزمنية الواقعة بين 7790 و 6690 قبل الميلاد, أي ما يعرف بالعصر الحجري الحديث الأول ، وثبت أن الآثار المكتشفة في تل أسود مؤلفة من مجموعة كثيفة من المنازل المستديرة الشكل ,الممتلئة بالرماد والمواد النباتية المحروقة ، وتتقاطع تلك البيوت مع بعضها بعضاً في أكثر الحالات. وتتخلل تلك البيوت أو المنازل حفر أسطوانية الشكل مستقيمة الجوانب ( لعلها صوامع لتخزين الحبوب),‌‌‏ هذا ما أكده المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الشؤون الزراعية في تصريح لـ( تشرين ) اليوم .
وأضاف :عندما نتحدث عن الهوية الزراعية للاقتصاد السوري فإننا لا نتحدث من فراغ، بل تدعمنا وتساندنا وقائع علمية أكدتها أحدث وسائل الاكتشاف البشري. حيث دلت الأبحاث على أن جملة شروط بيئية وحضارية قد توفرت في بلاد الشام منذ الألف التاسع ق.م ساهمت في انتقالها نحو الزراعة وتدجين الحيوانات قبل المناطق العالمية الأخرى .
لقد وصل الإنسان الأول إلى حوض دمشق منذ حوالي المليون عام إلا أن مرحلة الاستيطان الأهم بدأت في هذه المنطقة منذ الألف الثامن ق.م ,حيث صور السكان حيواناتهم التي دجّنوها ، وصنعوا تماثيلها من الطين المشوي بالنار أو المجفف أو الحجر. وجسدت البقر والماعز والغنم والغزال والخنرير ، وتكرر بينها الثور وقرونه كثيراً منذ مطلع الألف الثامن ق.م. هذه الحيوانات جسدها سكان تل أسود وتل الغريقة وتل الرماد وتل الخزامى.‌‌‏وفي النصف الثاني من الألف السابع ق.م كان نشوء مستوطنة تل الرماد في سفوح الجبال قرب قطنا حالياً وسكان مستوطنة تل الرماد اعتمدوا على الزراعة بشكل خاص, فزرعوا القمح والشعير والعدس ,كما زرعوا الكتان وهو نبات بحاجة إلى ري منتظم ,ما يشير إلى أنهم استطاعوا جر المياه إلى حقول الكتان ولو من خلال السواقي البسيطة.‌‌‏
إن التاريخ الزراعي السحيق لسورية يؤكد الأهمية النسبية للزراعة في بنية الاقتصاد السوري وفي بنية المجتمع السوري ، ولكن من ينسق بين الجهات المعنية بالقطاع الزراعي ؟.
تشتت المسؤوليات وتبديد الموارد
حول توزع مسؤوليات إدارة القطاع الزراعي يقول المهندس قرنفلة :
هناك قناعة ثابتة بالدور الرئيسي لعنصر الإدارة سواء على مستوى الإدارة العامة أو إدارة المهام المتخصصة (الإنتاج , التسويق , المالية ..الخ) في تحسين وتطوير الإنتاجية وتحقيق درجة عالية من كفاءة النشاط الزراعي بما يوفر له المنافسة الجيدة.ويعتبر ضعف عنصر الإدارة من أهم المعوقات للأداء في قطاعات العمل في الدول النامية ,ما يستوجب الاهتمام به من حيث توحيد جهات الإشراف على القطاع الزراعي وإيجاد بنية هيكلية تقوم بمتابعة عمل كافة الجهات المعنية في الإنتاج الزراعي والتنسيق بينها .وكذلك توفير سبل رفع كفاءة وإعداد المديرين الأكفاء من خلال وضع معيار الكفاءة في اختيارهم والعمل على تزويدهم بمهارات ومفاهيم الإدارة الحديثة والجودة الشاملة ، وتحتاج البلاد إلى تقوية المؤسسات التي تقوم بذلك بما يكفل مجابهة تحديات المستقبل ومتطلبات المرونة والتكيف في ظل نمط الاقتصاد الموجه للسوق من خلال استيعاب اقتصاديات المعرفة .

ولعل جذب الاستثمارات (وطنية وأجنبية) نحو القطاع الزراعي وتفعيل ذلك يمكن النظر إليه من خلال ثلاثة مكونات : أطر السياسات التنظيمية , وإجراءات حفز الأعمال , والعوامل الاقتصادية ذات الصلة, حيث يعتمد الاستثمار في القطاع الزراعي على مجموعة من الأدوات التي تحقق له النجاح حال توظيفها واستثمارها بشكل علمي ومنظم , ومن أهمها: إدارة الموارد الأرضية والمائية والبشرية وإدارة مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وإدارة الخدمات المساعدة على تحقيق السياسات الزراعية المقررة بالخطة الخمسية وتشمل البحوث العلمية الزراعية والإرشاد والتدريب والتأهيل للكوادر البشرية وتنظيم التسويق والإقراض الزراعي والدعم وغيرها.و إدارة الاستثمارات المالية العامة والخاصة بالإضافة إلى القوانين والتشريعات وتعليماتها التنفيذية.
ويشير قرنفلة إلى أن إدارة القطاع الزراعي متشعبة وتتم بين جهات حكومية ومنظمات شعبية وتنظيمات نقابية واتحادات مهنية ومنظمات عربية ودولية متعددة ، ورغم التأثير الكبير والمباشر لبعضها في تحفيز أو إعاقة تنمية القطاع الزراعي ، فإن درجة الإحساس بحجم أهمية أدوارها وتأثيرها على نجاح خطط وبرامج الزراعة تتباين بين جهة وأخرى .
والمؤلم أن كثيراً من مكونات حزمة إنجاح برامج الزراعة تقع خارج نطاق صلاحيات الوزارة المعنية والمسؤولة بموجب القوانين عن العملية الزراعية ، فتوفير حاجة الزراعة من الأسمدة على سبيل المثال يقع على مسؤولية عدة جهات ووزارات ، فاستيراد الأسمدة يقع على عاتق مؤسسة التجارة الخارجية التابعة لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ، وتصنيع الأسمدة محلياً يقع على عاتق شركات وزارة الصناعة ، وتوزيع الأسمدة يقع على عاتق المصرف الزراعي التعاوني التابع لوزارة المالية . إضافة إلى القطاع الخاص الذي يقوم بتوفير بعض من حاجة البلاد لتلك الأسمدة . وهذا ينطبق على كافة مدخلات الإنتاج الزراعي من المبيدات الزراعية والآلات والمكنات اللازمة للإنتاج ، وعبوات التعبئة والتغليف وغيرها ,كما تتشعب الجهات المسؤولة عن الإنتاج في الحقول من المحافظين والجهات التنفيذية و السياسية بالمحافظات ومديريات الزراعة وباقي الجهات .
ويتشارك في إدارة القطاع الزراعي في سورية السلطة التنفيذية ممثلة بوزارات : الزراعة والإصلاح الزراعي – الصناعة – الاقتصاد والتجارة الخارجية – التجارة الداخلية وحماية المستهلك – المالية – البيئة – النفط والثروة المعدنية – الكهرباء – النقل والمؤسسات والهيئات والشركات التابعة لها .
وأما المنظمات الشعبية فهي الاتحاد العام للفلاحين، اتحاد غرف التجارة ، اتحاد غرف الزراعة ، اتحاد غرف الصناعة ، نقابة المهندسين الزراعيين ، نقابة الأطباء البيطريين .
والمنظمات الدولية والجمعيات الأهلية مثل منظمة الأغذية والزراعة الدولية وبرنامج الغذاء العالمي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة ( إيكاردا ) والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة ( أكساد ) والمنظمة العربية للتنمية الزراعية ( أكوليد ) والشركة العربية للتنمية الثروة الحيوانية .
ضياع وتبعثر المسؤوليات
ويضيف قرنفلة : أدى تعدد الجهات المسؤولة عن قطاع الزراعة والري وضعف آليات التنسيق فيما بينهم إلى عدم تحقيق الكفاءة الممكنة من إدارة استثمار الموارد الأرضية والمائية ، حيث تقوم وزارة الموارد المائية بتخصيصها للاستثمار الزراعي وتقوم وزارة الزراعة بتنظيم الدورات الزراعية الملائمة لها ويتولى المزارعون استثمارها تحت مظلة قانون التشريع المائي في وزارة الموارد المائية وقانون الخطة الزراعية في وزارة الزراعة ، ورغم ذلك لم يتم التوصل إلى إدارة سليمة ومنضبطة للموارد. إضافة إلى التأخير بتوريد مستلزمات الإنتاج التي يتوجب استخدامها وفق برامج زمنية محددة .
وكذلك يواجه القطاع الزراعي أزمات تسويق مزمنة نتيجة غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة عن الإنتاج من جهة والجهات المسؤولة عن التصنيع والتسويق والتصدير من جهة ثانية .
إحياء المجلس الزراعي الأعلى
وحول توحيد جهات الإشراف على القطاع الزراعي يقول المهندس قرنفلة :

إن عملية التنسيق بين الجهات المسؤولة عن القطاع الزراعي تقتضي وجود جهة ذات صلاحيات واسعة , لها القدرة التنفيذية على إلزام تلك الجهات بالقيام بواجباتها ومحاسبتها عند اللزوم ، وهذا يستلزم إحياء المجلس الزراعي الأعلى برئاسة رئيس مجلس الوزراء وتحديد مهامه في التنسيق بين كافة الجهات المسؤولة عن القطاع الزراعي والإشراف على سير العملية الإنتاجية ووضع السياسات اللازمة للنهوض بالقطاع .وكذلك يجب الإسراع بتشكيل اتحادات أهلية تخصصية مهنية غير سياسية تضم العاملين في النشاطات والقطاعات الزراعية المختلفة ,حيث يمكن تشكيل اتحاد لمربي الدواجن واتحاد لمنتجي القمح واتحاد لمنتجي الأسماك واتحاد لمنتجي التفاح ، واتحاد لمنتجي الألبان ، والجدير ذكره أن مثل هذه الاتحادات هي التي قامت بتطوير سلالات عروق الأبقار الشهيرة بالعالم وسلالات الدواجن وأصناف التفاح والحمضيات وغيرها .
ويرى المهندس قرنفلة أن خلق هيئة أو منظومة عمل مسؤولة عن التنسيق بين الجهات المسؤولة عن القطاع الزراعي يخدم في تهيئة بيئة مستقرة, توفر الثقة والاطمئنان لقطاعات الأعمال للمستثمرين المحتملين في القطاع الزراعي على وجه الخصوص وذلك لطبيعة هذا النشاط العالي المخاطر

Views: 5

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي