هل كانت تغريدة ترامب حول وجود زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حيًّا وأنّه لم يُقتَل هي الاستِثناء في مسلسل أكاذيبه؟ وما هي الأسباب التي “ربّما” تُرجّح نظريّة المُؤامرة؟ ولماذا نتذكّر “الوفاة” المُفبركة لمقتل البغدادي؟ إليكُم قراءةً مُختلفةً
ترامب مَشهورٌ بالكذب، والهوس أيضًا، بالفوز بولايةٍ ثانيةٍ في الانتخابات الرئاسيّة التي تفصلنا عنها ثلاثة أسابيع فقط، ولكنّ إعادة هذه “التّغريدة” عن موقع “Qanon” الذي يُروّج أصحابه لنظريّة المُؤامرة، ومَعروفون بدعمهم للرئيس ترامب، لا يُمكن أنْ يكون “زلّة لسان” ومن رئيس أمريكي يملك أعلى وأهم تصريح أمني يُمَكِّنه من الوصول إلى كُل المعلومات السريّة في أرشيف الدّولة الأمريكيّة، وأجهزتها الأمنيّة.
لا نُجادل مُطلقًا بأنّ هدف ترامب من إعادة هذه التّغريدة وإضفاء مِصداقيّة عليها هو مُحاولة الفوز بالانتخابات الرئاسيّة المُقبلة، والإقدام على أيّ خطوة يُمكن أن تُقلّل من فُرص خصمه الدّيمقراطي جو بايدن الذي يتقدّم عليه في استِطلاعات الرأي، وكان نائبًا للرئيس باراك أوباما عندما جرى تنفيذ عمليّة اغتيال زعيم القاعدة في الثّاني من أيّار (مايو) عام 2011، ولكن لا نعتقد أنّه يُمكن أن يُقدِم على خطوةٍ كهذه، يُمكن أن تُدمّر مِصداقيّة جيش بلاده، والدّولة العميقة، بكُل هذه السّهولة والاستِخفاف.
روبرت أونيل عضو وحدة “سيل تيم 6” التي نفّذت عمليّة الاغتيال في المنزل الذي كان يختبئ فيه زعيم تنظيم القاعدة وأُسرته في أبوت أباد قُرب العاصمة الباكستانيّة، وأكّد في شريطٍ وثائقيٍّ أنّه من أطلق النّار عليه، سَخِر من الرئيس ترامب، وأكّد “أنّ من قتله هو الشّيخ بن لادن شخصيًّا وليس بديله”.
هُناك عدّة مُؤشّرات تؤكّد بعض جوانب نظريّة المُؤامرة، وتُضفي بعض المصداقيّة على التّغريدة التي أعادَ نشرها الرئيس ترامب:
-
الأوّل: أنّنا وبعد حواليّ 9 سنوات من تنفيذ عمليّة الاغتيال هذه، لم نرَ صورةً واحدةً لجُثمان زعيم تنظيم القاعدة، رغم أنّنا شاهدنا صُورًا للرئيس أوباما وفريقه يُتابع العمليّة ثانيةً بثانيةٍ ممّا يُؤكّد أنّ هُناك تسجيلًا حيًّا بالصّوت والصّورة لجميع وقائِعها من البداية حتى النّهاية.
-
الثاني: أنّ عمليّة الدّفن في المُحيط، وبطريقةٍ إسلاميّة، وفي حُضور “إمام” لم تُقنِع الكثيرين، خاصّة القول بأنّ الإدارة الأمريكيّة لا تُريد تحويله إلى “شهيد” وقبره إلى مَحجٍّ أو مزارٍ لأتباعِه.
-
الثالث: أنّ أسرة بن لادن وزوجاته وأبناءه وبناته يعيشون حاليًّا في مجمّع سكني بجدّة، معزول تحت رقابة قوّات الأمن السعوديّة، وممنوعٌ عليهم الإدلاء بأيّ معلومات عن عمليّة الاغتيال هذه، خاصّة للصّحافة، إلا بإذنٍ مُسبَقٍ وبوجود رجال الأمن، ولم يلتقوا إلا صحافي واحد من صحيفة “الغارديان” البريطانيّة وبوجود مندوب في السّلطات السعوديّة.
-
الرابع: لم نسمع مُطلَقًا أنّ هُناك “بدائل” لزعيم تنظيم القاعدة، وأنّ الإدارة الأمريكيّة استخدمت هذه الحِيلة كذريعة أيّام الرئيس الراحل صدام حسين، وتبيّن سُقوط هذه النظريّة بعد إعدامه، ولكنّ ترامب يملك الحق بالوصول إلى المعلومات في هذا الصّدد.
-
الخامس: إدارة الرئيس ترامب نفسها سارت على نهج سلفة، أيّ الرئيس أوباما الديمقراطيّة، عندما “فبركت” روايةً عن مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم “الدولة الإسلاميّة”، على يد فريق استخباري أمريكي في نفق قالت إنّه يختبئ فيه وأسرته في بلدةٍ شمال مدينة الرقّة السوريّة، ولم يُنشَر حتّى كتابة هذه السطور أي صورة له أو لزوجته التي كانت برفقته وعددٍ من أطفاله، ولا بُدّ أنّ ترامب استند إلى تجربةِ الدولة العميقة في أساليب “الفبركةِ” هذه.
-
السادس: أنّ الإدارة الأمريكيّة حرصت على تسريب وقائع إعدام الرئيس صدام حسين بالصّوت والصّورة، كما عرضت جُثمانيّ ولديه عدي وقصي أمام المُصوّرين والعامّة، وعرضت هي والمُخابرات الفرنسيّة جُثمان العقيد معمر القذافي في حاويةِ خضارٍ مُبرّدة، فلماذا لم تفعل الشّي نفسه فيما يتعلّق بجُثمانيّ بن لادن والبغدادي؟
حقيقةً لا نملك معلومات تُجيب عن جميع الأسئلة السّابقة وغيرها، كما أنّنا لا نُؤيّد نظريّة المُؤامرة في هذه المِلفّات، أو نُعارضها، ولكن ما نعرفه جيّدًا أنّ ترامب ليس الكاذب الوحيد، وينتمي إلى دولةٍ عميقةٍ احترفت الكذب، وتزوير الحقائق، من أجل إخفاء، أو تبرير حُروبها القَذِرَة، خاصّةً في مِنطقة الشرق الأوسط، وأُكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل العِراقيّة هي أكبرها.
بغضّ النّظر عمّا إذا كانت “تغريدة” ترامب الأخيرة المُتعلّقة باغتِيال زعيم تنظيم القاعدة ستُساعد في نجاحه أو تُعجِّل في سُقوطه في الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة، فربّما تكون المعلومة الوحيدة الصّادقة التي وردت على لِسانه طِوال السّنوات الأربع الماضية.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 1