هناك قطبتان في موضوعين أساسيين يحتاجان الى فكفكة. الأولى في التدقيق الجنائي لدى مصرف لبنان والثانية في احتياطي الذهب، وجزء من كل منهما يتصل بالجزء الآخر وكلاهما معا قد يشكّلان هاجسا لدى الدولة في ما يتعلق بالذهب ولدى المواطن فيما يتعلق بمصير وديعته في المصارف ومصير الاقتصاد بشكل عام.
وبدءا من التدقيق الجنائي الذي هو في واقع الحال «تحقيق» أكثر من «تدقيق»! فان القطبة المخفية هي مدى صحة المعلومات شبه الأكيدة حتى الآن، ان العقد الموقّع مع الشركة المدققة، ينص على أنه لا يحق للدولة اللبنانية استخدام نتائج التدقيق أو التحقيق، في مقاضاة أو تجريم أي طرف استنادا الى ما قد يرد في تقرير الشركة النهائي من معلومات، إلا إذا وافقت الشركة المدققة على استخدام أي جزء من التقرير للتجريم أو المقاضاة.
وما يعطي هذا التحفظ من قبل الشركة تعليلا أو تبريرا هو خشيتها من أنه إذا استخدمت الدولة اللبنانية المعلومات الواردة في التقرير لمقاضاة أو تجريم أي طرف داخلي أو خارجي ثم ثبتت براءته، سوف يحق قانونا لهذا الطرف أن يقاضي ليس فقط الدولة اللبنانية صاحبة الادعاء، وإنما أيضا شركة التدقيق التي زوّدت الدولة بمعلومات أدّت الى توجيه اتهام لطرف ثبتت براءته من الاتهام. ومعلومات الخبراء في هذا الموضوع ان شركة التدقيق لن تسمح للدولة اللبنانية باستخدام مضمون تقريرها قضائيا ضد أي طرف. أولا: استنادا الى خبراتها والى تجارب عديد الشركات التي درجت على وضع هذا التحفظ بعدما تعرّضت لإشكالات قضائية، وثانيا: عملا بالقاعدة الذهبية: لا تنم بين القبور وترى أحلاما موحشة! وابتعد عن الشر وغني له قدر المستطاع!
وما دمنا في حديث القاعدة الذهبية فقد أصبحنا في قلب الموضوع الثاني الشديد الصلة بالموضوع الأول، ويتعلق بالاحتياطي الذهبي في مصرف لبنان ومدى علاقته بنتائج التدقيق الجنائي في قطبة ثانية تحتاج بدورها الى فكفكة بل الى الحذر من تأثيراتها على قرارات الأجانب من حملة اليوروبوندز الذين ما زالوا حتى الآن في «صمت مريب» بشأن الخطوات التالية التي سيتخذونها ضد الدولة اللبنانية لتحصيل حصتهم من الشرائح التي بحوزتهم والبالغة أكثر من ٢٥% من اجمالي السندات. علما ان جميع شرائح اليوروبوندز التي تفوق اسميا الـ٣٠ مليار دولار قد استحقت بمجرد امتناع (أو تعليق دفع حسب تعبير حكومة تصريف الأعمال) عن دفع سند واحد منها.
وأما ما يسعى إليه حملة شرائح اليوروبوندز من الأجانب، فهو أولا: معرفة كم ستحصل الدولة اللبنانية من القروض أو المساعدات حتى يرفعوا سقف النسبة التي سيطالبون بها من قيمة السندات التي بحوزتهم، وثانيا: انتظار نتائج التدقيق الجنائي. فإذا ثبت من خلالها قانونيا ما هو حاصل عمليا، ان مصرف لبنان استخدم أموال اليوروبوندز في تمويل الدولة اللبنانية، سوف يسعون إلى مواجهة موقف الدولة القائم على الاستقلالية الكاملة لمصرف لبنان وللاحتياطيات الذهبية، أولا: لجهة الطعن بهذه الاستقلالية عبر إثارة أو إثبات العلاقة التمويلية بين المصرف والدولة عبر أموال اليوروبوندز. وثانيا: لجهة الترابط الأساسي بين الاثنين في القانون الذي أقرّه مجلس النواب بمنع بيع الذهب أو رهنه أو استخدامه بأي صورة مباشرة أو غير مباشرة.
وبالتالي سوف يستندون الى هذا الترابط في ربط نزاع يسعى الى اعتبار احتياطي الذهب جزءا من ضمانة لتحصيل حقوقهم على الدولة على غرار اليوروبوندز الصادرة بضمان الدولة التي يموّلها مصرف لبنان مما لديه من ودائع المصارف.
صحيح ان موقف لبنان من استقلالية البنك المركزي وملكيته للذهب، ثابت وقوي من وجهة القانون والأعراف الدولية، كما حصل يوم جرت محاولة الحجز على طائرة «الميدليست» في الخارج تسديدا لدين على الدولة وفشلت المحاولة كون الطائرة ملكية شركة مستقلة بموجب قانون التجارة، وعلى غرار البنك المركزي المستقل عن الدولة بموجب قانون النقد والتسليف… الا أنه ضمانة لوصول التدقيق الجنائي إلى خواتيم قانونية، بعيداً عن أي عثرات أو عقبات، وحرصاً على الاحتياطات الذهبية بعيداً عن أي نزاعات أو اجتهادات.. لا بدّ من الاحتياط في الموضوعين تجاه أي قطب ظاهرة أو .. مخفية
Views: 5