البلاد-عبد الرحمن جاويش
هي سلع ليس لها مصدر معروف، بدأت تغزو السوق السورية، من أكياس مسحوق الغسيل إلى سائل الجلي مروراً بالصابون والشامبو، كلها بلا منشأ معروف، ولم يذكر عليها تاريخ صلاحية أو انتهاؤه، ولا مكان واضح عن مكان صناعتها، ولا ما يدل على ما تحتويه من مكونات وليس هناك من شركة معينة مسؤولة عن دخولها إلى القطر، وليس هناك ما يدل على ترخيص لشركة ما، فكيف غزت هذه البضائع أسواقنا، ولماذا سمح لها بأن تكون قبلة المواطن الذي يسترخصها، بعد غلاء كل ما حوله من سلع وبضائع، طبعاً كل هذا يحدث أمام مرأى الجهات المعنية من دون أن تحرك
ما يقلق في الموضوع أن هذه البضائع ونتيجة لتفشي الغلاء أصبحت قبلة المواطنين الذين يلجؤون إلى هذه السلع مجهولة المصدر لانخفاض سعرها ، غير عابئين سواء إن كانت تصلح للاستخدام البشري أم لا وبدون النظر إلى ما إذا كانت هذه البضائع منتهية الصلاحية أم لا، وهذا تصرف لا يمكن أن نلقي فيه باللوم على المواطنين المنهكين من ارتفاع الأسعار، وإنما على التجار الذين بطمعهم وشجعهم أوصلوا المواطنين إلى درجة من الفقر الشديد بحيث لم يعد يهمهم سوى تأمين حاجياتهم بغض النظر عن أي شيء آخر، بالإضافة إلى أن البضائع ذات الماركات المعروفة لم يعد لها ذات الفعالية والتأثير كما كان سابقاً، وتقاسمهم المسؤولية الجهات الرسمية المعنية التي أفلتت الأسواق وبات التاجر هو المتحكم نحن هنا نقصد بالطبع المواد الضرورية والأساسية ولا نقصد الكماليات التي نسيها المواطن منذ زمن طويل ، لأن المواد التي لا تعد ضرورية في حياة المواطن السوري استغنى عنها ، وبالطبع إن ما يعدّ اليوم كماليات في نظر المواطن السوري، هو واحدة من الحاجات الضرورية لدى أي مواطن في أي بلد آخر، ولأن مواطننا قد اشتهر بصبره فإنه بات يعدّ الضروري القاهر هو الضروري ، والضــــــروري فقط هو الكماليات ولهذا فإن التجار ذوي الضمائر الميتة باتوا يغزون الأسواق بمواد استهلاكية مجهولة المصدر حتى يتملّصون من الملاحقة القانونية إن ثبت عدم كفاءة هذه المواد للاستخدام البشري، ولأنهم قد أنهكوا مواطننا السوري، فإنه يعرفون حق المعرفة أن هكذا سلع كم ستلقى رواجاً.
ولكن ما يقلق بالموضوع هو مايتعلق بالمواد الأكثر تأثيراً كما هي الحال بالنسبة للصابون والشامبو ، فهي كما هو معروف تتم صناعتها من الدهون المكررة ، ولهذا فإن أي تقاعس بصناعتها بطريقة حديثة ومضمونة سيؤدي حتما إلى مشكلات صحية لدى المستهلك ، ولأن استعمالها لا غنى عنه ويتم بشكل يومي، كان لابد من طرح الموضوع واستشارة ذوي الخبرة في مجال السوق السورية والاستهلاك، وذوي الخبرة الطبية لمعرفة مدى سوء هكذا مواد أو قلة فائدتها. يقول الأطباء الاختصاصيين بالأمراض الجلدية إن الكثير من المواطنين يشترون مواد تنظيف مجهولة المصدر وغير مطابقة لشروط الصحة، وهذه المواد تباع في الأسواق حالياً منها الشامبو الصابون حتى مواد تنظيف الملابس، والمواطن يشتري هذه المواد من دون أن يعلم مضارها على صحة وبشرة الإنسان ، فمنها ما يسبب الأكزيما ومنها الآخر ما يسبب تساقط الشعر، لهذا على المواطن أن يتأكد قبل أن يشتري من هذه المواد أن تكون مطابقة لمعايير الجودة والصحة العالمية فدرهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج وللتعرف على أسباب إقبال المواطن لشراء مثل هذه السلع استطلعنا آراء بعض المواطنين بالموضوع فكانت النتيجة التالية :
ربة منزل قالت لي : لدي أربعة أطفال جميعهم في سن الطفولة، يلعبون طوال النهار ، ويعودون إلى المنزل وثيابهم متسخة، ويومياً لدي وجبة غسيل، وزوجي موظف وراتبنا يادوب يكفينا أكل وشرب، والمساحيق التي كنا نستعملها ذات الماركات المعروفة، باتت لا تقارب من حيث السعر، وهذا يعني مصروفاً هائلاً خلال الشهر، وهذه العبوات التي تصفونها بالمجهولة كانت وسيلة جيدة للتوفير، حيث إن ما يهمني هو أن تنظف ثيابي وثياب أسرتي، إن كنت أصل إلى مبتغاي هذا بسعر قليل لماذا سألهث خلف عبوات مسحوق غسيل شهيرة ذات أسعار خمس نجوم، وكذلك الأمر بالنسبة للصابون والشامبو مهما يكن رأيكم بها فهي قد حلت أزمة حالياً، قال لي احد الموظفين . إن الشامبو العادي بات سعره اليوم ما يفوق ٢٤٠٠ ليرة ولا يكفي إلا لعدد قليل من مرات الاستحمام، بينما أشتري عبوة واحدة من هذه العبوات المجهولة وتكفي لشهر تقريباً من الحمام اليومي وبسعر رخيص ولا يصل لـ ٦٠٠ ليرة، وحتى الآن لم أعان أو أحد من أسرتي من أية عوارض مزعجة، فلماذا سأتخلى عن شرائها
قالت لي إحدى المواطنات : زوجي موظف وراتبه بالكاد يكفينا لشراء الغذاء حتى نصف الشهر، والديون باتت جزء لا يتجزأ من حياتنا، فهل من المعقول أن أشتري مواد تنظيف واستحمام بأسعار عالية وأنا أعلم كم يشقى زوجي حتى يؤمن لنا المال اللازم لشراء الطعام
بالكاد فإن راتبي التقاعدي يكفيني، فهو قليل جداً قياساً بمتطلبات الحياة قال . متقاعد تكلفني الأدوية شهرياً أكثر من ثلثي الراتب ، والثلث الآخر هو لدفع الفواتير الشهرية ، مصروفي اليومي يتكفل به أبنائي، وفي ظل هذه الظروف الصعبة فأنا على علم كم هذا مكلف لهم، لأن كلاً منهم لديه أسرة كبيرة وعليه إطعامهم فهل سأقوم بشراء منظفات ومواد استحمام بأسعار كبيرة، بالطبع لا، بالرغم من أني لست راض عن جودة هذه السلع مجهولة المصدر ولست متأكداً من عدم تسبّبها بالضرر الصحي، ولكني في هذه الحال مجبر، ولكن على تجار الأزمة الذين نهبوا ما يكفيهم أن يعودوا لضمائرهم علها تصحو لبرهة. صاحب أحد محال بيع هذه المواد يقول: : منذ شهور قمت ببيع مواد تنظيف مجهولة المصدر وذلك للطلب الشديد عليها وتتفاوت جودة هذه المواد بين الرديء والجيد، فهناك بعض الشركات الشهيرة تقوم ببيع مواد تنظيف جيدة معبأة بأكياس أو علب بلاستيكية من دون وضع أية علامة تجارية عليها وذلك لمحاولة إقناع المستهلك بأنها أرخص من باقي الأصناف أما بالنسبة للأنواع الرديئة فهي مصنعة من قبل ورشات لا تطبق أي معيار من معايير الجودة والصحة، وعلى سبيل المثال يدخل في المكون الأساسي في مواد التنظيف مادة الملح، فتقوم ورشات تصنيع مواد المنظفات بوضع مادة الملح بما يقارب 5 أضعاف أكثر من النسبة اللازمة وذلك ليكسبوا وزناً أكبر بذلك
المعنيين في التجارة الداخلية . يؤكدون بخصوص هذا الموضوع أنه: من المعروف أن محاولة استغلال الباعة المتجولين لحاجة المواطن لا يمكن أن يوضع لها حد من قبل الجهات الحكومية المعنية وحدها، فهذه المسؤولية تقع أيضاً على عاتق المواطن المستهلك، فعليه أن يقدر مصلحته وأن يكون واعياً لما يشتريه ، فعند شراء المواطن لسلعة غير مطابقة لمواصفات الجودة ، يكون قد شجع بدوره الباعة الغشاشين والمستغلين على الاستمرار في بيع المواد السيئة والمغشوشة. وهناك دوريات لمراقبة جودة و أسعار السلع الموجودة في الأسواق سواءً كانت غذائية أم غيرها، بحيث تقوم بضبط المخالفات الموجودة، وهناك الكثير من الضبوط التي كانت بحق محال مخالفة تقوم ببيع مواد مجهولة المصدر على الرغم من أننا نعلم أنه من الصعب محاسبة هؤلاء التجار لأنهم يستغلون هذه الظروف لمصالحهم الشخصية متناسين وجود طبقة ذات دخل محدود جداً و نسمي هؤلاء التجار باستثناء بعضهم بتجار الأزمة لأنهم بلا رحمة أو وجدان و بالمقابل نحن لا نقول بأن على التاجر أن يخسر من أجل المواطن و لكن نطالبه أن يكون إلى جانبه و يدعمه و يحاول على قدر استطاعته إفادة المواطن و إسعاده بدون أية أضرار كبيرة عليه و الكل يلاحظ أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير جداً عن سابق عهدها مع العلم أن راتب الموظف لم يختلف عن قبل إضافة إلى من فقد عمله فكيف سيستطيع التوفيق بين احتياجاته الشخصية و مصروفه الشهري ولذلك يجب أن تتعاون كل المؤسسات من أجل الخروج من الأزمة بأقل الخسائر سواء على المواطن أو التجار أو حتى الدولة ، فالاقتصاد كالسياسة فهما مكملان لبعضهما البعض ولهذا فعلى الجهات الحكومية النظر بعين القانون للتاجر وبعين الرحمة للمواطن الذي أنهكته الحرب.
Views: 5