هل يمكن أن يتأخر تنصيب بايدن؟
الجلسة المشتركة للكونغرس الأميركي التي بدأت بالفعل الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني، هي المحطة الأخيرة في مشوار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي انتهى التصويت الشعبي فيها يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وتلا ذلك اليوم إعلان النتائج في الولايات تباعاً، ثم كان يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي هو تاريخ المحطة الثانية الرئيسية وهو انتهاء الولايات الخمسين من التصديق على النتائج من خلال المجمع الانتخابي.
وفاز الديمقراطي جو بايدن بـ306 صوتاً مقابل 232 صوتاً للجمهوري دونالد ترامب (مجموع أصوات المجمع الانتخابي 538 صوتاً)؛ ومن ثم فإن الجلسة المشتركة للكونغرس التي انطلقت بالفعل أمس الأربعاء، قبل أن تتوقف بسبب اقتحام أنصار المهزوم ترامب لمبنى الكونغرس، كان يُفترض أن تشهد التصديق الأخير على نتيجة الانتخابات التي وصلت من المجمع الانتخابي.
وطبقاً للدستور الأميركي، يتم تنصيب الرئيس الجديد للبلاد ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني، وبما أن ما شهدته واشنطن العاصمة، اليوم، من قيادة الرئيس ترامب بنفسه تظاهرات حاشدة من أنصاره ودعوته لهم للتوجه إلى مبنى الكونغرس وهو ما قاموا به بالفعل وأدى إلى وقف جلسة التصديق بعد دقائق من انطلاقها، كلها أمور غير مسبوقة، فهل سيتم تأجيل تنصيب بايدن؟
قبل أيام قليلة تطرق بالفعل أحد مستشاري ترامب إلى هذا السيناريو، إذ قال بيتر نافارو المستشار التجاري لترامب، إن تنصيب بايدن يوم 20 يناير/كانون الثاني يمكن أن يتم تأجيله، وذلك لإفساح المجال أمام المعترضين على نتيجة الانتخابات لمواصلة مساعيهم الهادفة إلى إثبات تزوير الانتخابات، وذلك في مقابلة على قناة Fox News.
لكن حقيقة الأمر، بحسب خبراء القانون والدستور والمحللين السياسيين جمهوريين وديمقراطيين، هي أن تنصيب بايدن لابد أن يتم في الموعد الذي حدده الدستور، أي ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، بغض النظر عن جلسة التصديق من خلال الكونغرس.
ماذا قال نائب ترامب؟
قبل دقائق من انطلاق الجلسة المشتركة للكونغرس التي يرأسها نائب الرئيس وهو مايك بنس، أصدر بنس بياناً قال فيه إنه لا يمتلك السلطة لتغيير نتيجة الانتخابات لصالح ترامب، وإن دوره بروتوكولي فقط بحسب نص الدستور، وإنه لا ينوي مخالفة ذلك الدور.
ما أعلنه بنس عرَّضه لتغريدة غاضبة من ترامب، الذي تحوَّل -بحسب أغلب السياسيين الأميركيين جمهوريين وديمقراطيين- إلى ديكتاتور يسعى للتشبث بالسلطة على حساب الديمقراطية الأميركية وتقاليدها المتبعة منذ أكثر من قرنين ونصف.
وعلى الرغم من أن الجلسة المشتركة شهدت بالفعل اعتراضاً من جانب 60 مشرعاً جمهورياً على نتيجة الانتخابات في أريزونا، وهو ما استدعى وقف التصديق واجتماع أعضاء مجلس الشيوخ في مقر المجلس برئاسة بنس وأعضاء مجلس النواب في مقرهم برئاسة نانسي بيلوسي، فإن زعيم الأغلبية الجمهورية وأحد أبرز الجمهوريين ميتش ماكونيل أدلى بتعليق وجَّه فيه انتقادات لاذعة للمشرعين المعترضين ولترامب أيضاً بشكل غير مباشر.
ماكونيل قال إن دور الجلسة المشتركة هو التصديق على النتائج التي وصلت إلى الأعضاء من المجمع الانتخابي وليس “الوصاية على الناخبين وتغيير إرادتهم”، وأضاف أن الهامش الذي فاز به بايدن بالانتخابات ليس هامشاً قليلاً حتى يكون هناك أي مجال للشك، وأن قاعة الكونغرس ليست مكاناً للاعتراض على نتائج الانتخابات، بل إن ذلك مكانه قاعات المحاكم وهو ما حدث بالفعل وتم رفضه.
ماذا فعل ترامب وأنصاره؟
لكن ترامب مصمم على أن الانتخابات سُرقت منه وأنه فاز بها، وبالتزامن مع الجلسة المشتركة للكونغرس انضم ترامب إلى أنصاره الذين توافدوا بالآلاف على واشنطن العاصمة، تلبية لدعوته لهم، وخطب فيهم مكرراً المزاعم نفسها التي لم يتمكن لا هو ولا فريقه القانوني ولا حملته الانتخابية من تقديم أدلة تقنع محكمة واحدة في أي من الولايات بقبول دعاوى التزوير.
أنصار ترامب داخل مقر مجلس الشيوخ
لكن الأخطر هنا هو أن ترامب طالب أنصاره بالتوجه نحو مقر الكونغرس “لتقديم الدعم والشجاعة والجرأة للأعضاء الجمهوريين كي يفعلوا الصواب ويعيدوا لنا الانتخابات التي فزنا بها وتمت سرقتها منا”، وهو ما فعله الآلاف منهم بالفعل وتوجهوا إلى مقر الكونغرس واقتحموه، في مشهد أصاب الأميركيين والعالم بأسره بالذهول.
وقامت الحراسة الخاصة بنائب الرئيس مايك بنس بإخراجه من الكونغرس ونقله إلى مكان آمن، ثم تم إخراج أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من مبنى الكونغرس، بعد أن اقتحمه أنصار ترامب الغاضبون وعاثوا فيه فساداً.
ماذا قال جو بايدن؟
لا أحد يمكنه التكهن بمسار الأحداث في الأيام القادمة أو حتى الساعات. فحاكمة ولاية واشنطن أصدرت أمراً بحظر التجول، لكن موعد حظر التجول بدأ بالفعل في ظل وجود المئات من أنصار ترامب داخل وفي محيط مبنى الكونغرس. وأعلنت قوات الأمن إرسال تعزيزات من الحرس الوطني؛ لمساعدة الشرطة المحلية في السيطرة على الأمور.
لكن الشيء الذي يُجمع عليه غالبية المحللين والمراقبين هو أن تنصيب بايدن سيجري في موعده المقرر يوم 20 يناير/كانون الثاني، خصوصاً أن غالبية الجمهوريين، سواء الأعضاء في الكونغرس أو المسؤولون السابقون، عبَّروا عن استيائهم مما يحدث وطالبوا ترامب بإدانة اقتحام مبنى الكونغرس ومطالبة أنصاره بالتوقف عما يفعلوه، وهو ما يعني أن ترامب قد يجد نفسه وحيداً تماماً في الساعات القليلة المقبلة.
المؤكد الآن هو أن مشاهد اقتحام مبنى الكونغرس التي نقلتها القنوات ومنصات التواصل الاجتماعي للعالم كله، تمثل إهانة كبيرة لأقوى دولة في العالم والتي يتغنى قادتها دائماً بالديمقراطية الراسخة هناك، وهو ما كان كثيرون يحذّرون منه منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل أربع سنوات.
وناشد جو بايدن، الرئيس المنتخب، ترامب أن يخرج على التلفزيون الوطني ويدين ما أقدم عليه أنصاره من اقتحام الكونغرس وأن يدعوهم إلى التوقف فوراً، ووصف بايدن ما حدث من اقتحام للكونغرس بأنه “مشين ويجب أن يتوقف الآن”، وكان لافتاً خلال كلمته، تركيزه على أن ما يحدث لا يعكس قيم الديمقراطية الأميركية، وهو ما يعكس ما وصلت إليه البلاد خلال رئاسة ترامب.
لكن يظل السؤال القائم الآن يتعلق بما قد يقوم به “جيش ترامب”، وهو الوصف الذي يطلق على الجماعات اليمينية المتطرفة التي تدعم الرئيس المهزوم وترفض تماماً الاعتراف بخسارته الانتخابات، والذين احتل بعضهم المنصة المخصصة لتنصيب الرئيس أمام مقر الكونغرس، حتى وإن استجابوا لمناشدات المغادرة أو تدخلت قوات الأمن وأبعدتهم بالقوة.
وخرج ترامب في فيديو قصير على حسابه في تويتر، موجه إلى أنصاره، طالبهم بأن يذهبوا إلى منازلهم وأن يحترموا رجال إنفاذ القانون، مذكِّراً إياهم بأنه “فاز في الانتخابات بفارق ساحق لكنها سُرقت منا.. أعرف أنكم تتألمون لذلك.. لقد سرقوا منا الانتخابات التي فزنا بها بفارق ساحق. لكن أحبكم جميعاً واذهبوا إلى بيوتكم في سلام”. واعتبر تويتر أن فيديو ترامب تحريض على العنف ووضع علامة بهذا المعنى على التغريدة.
Views: 0