في خطوة متوقعة، أقدم اثنان من كبار المصارف اللبنانية على بيع بعض فروعهما خارج لبنان بما سيساعدهما على الالتزام بالشروط التي وضعها المصرف المركزي، والتي على أساسها سيتحدّد مصير المصارف اعتباراً من شهر شباط المقبل. والسؤال، ماذا يعني «السقوط» في الامتحان؟ وما مصير الودائع في المصارف «الراسبة»؟
في 29 كانون الأول 2020 أعلنت مجموعة بنك عودة توقيع اتفاقيّتن: الأولى مع مجموعة كابيتال بنك من أجل الاستحواذ على أعمال فروع بنك عودة في الأردن والتي تتضمّن 14 فرعاً، والثانية مع البنك الأهلي العراقي التابع لمجموعة «كابيتال بنك» من أجل الاستحواذ على أعمال فروع بنك عودة في العراق والتي تتضمّن 5 فروع، ولا يزال يتطلّب استكمال هذه العمليّات الحصول على الموافقات النهائيّة من الجهات الرقابيّة. كذلك، وبتاريخ 24 كانون الأوّل 2020، أعلنت مجموعة بنك عودة سوريا عن بيع حصّة مجموعة بنك عودة في بنك عودة سوريا، والبالغة 47%، لصالح بنك بيمو السعودي الفرنسي، وذلك بعد الحصول على موافقة مبدئيّة من مصرف سوريا المركزي.
بدوره، أعلن بنك لبنان والمهجر أخيراً توقيع اتفاقية مع المؤسّسة المصرفية العربية، يقوم من خلالها ببيع حصته الكاملة والبالغة 99.4% في وحدته المصرية بنك بلوم-مصر لمصلحة بنك ABC، وقد بلغت قيمة العرض427 مليون دولار أميركي.
وعليه، يكون بنك عودة وبنك لبنان والمهجر قد ضمنا اجتيازهما «الامتحان» المرتقَب خلال شهر شباط، والذي من شأنه ان يُغربل المصارف. فماذا عن بقية المصارف؟ وهل يمكن الفصل بين مصير أموال المودعين في هذه المصارف وتلك التي ستنتقل ملكيتها الى مصرف لبنان في حال التعثر؟
في هذا السياق، يقول الرئيس الاسبق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ»الجمهورية» انّ مصرفَي عودة ولبنان والمهجر هما اكبر مصرفين في لبنان وحجم ميزانية كل منهما اكبر بكثير من المصرف الذي يحتل المركز الثالث، بما يعني انّ حملهما أكبر وتطبيقهما لشروط المركزي أصعب عليهما لأنّ رفع ميزانيتيهما العمومية الموحدة (consolidated balance sheet) سيكون مضاعفاً مقارنة مع غيرهما من المصارف. بمعنى آخر، انّ الفارق في ميزانية اكبر مصرفين ضئيل إنما في مقارنتها مع المصارف التي تحتل المراكز الثالثة والرابعة وحتى العاشرة أكبر بكثير. لذا، نجد انّ هناك منافسة دائمة بينهما، فحجم بنك لبنان والمهجر أكبر من بنك عودة في لبنان، إنما من حيث المجموع بنك عودة اكبر من لبنان والمهجر، لا سيما انّ فرعه في تركيا رفَعه كثيراً.
إنطلاقاً من هذا الواقع، كان لا بد لهذه المصارف من ان تبيع فروعها في الخارج من خلال عمليات spin off، والتي أتت بمثابة عمليات تَشحيل تهدف الى مساعدتها على توفير السيولة وتأمين الرأسمال. وأوضح حمود انّ الهدف من هذه العمليات لم يكن فقط لرفع الرأسمال في الداخل إنما لتحسين سيولتها في الخارج لدى المصارف المراسلة.من سيجتاز امتحان شباط؟
أكد حمود، رداً على سؤال، انّ اجتياز هذين المصرفين امتحان شباط، من خلال بيعهما لفروع في الخارج، لا يعني انّ بقية المصارف التي لا تملك فروعاً خارجية لن تجتاز الاستحقاق، موضحاً انّ بعض مصارف الداخل ستجتاز امتحان شباط بسهولة.
وأوضح انّ استمرارية المصرف ترتكز على 3 نقاط: الربحية والسيولة والإدارة. فالبنك غير المربح لا يمكنه الاستمرار، وكذلك من يفتقر الى السيولة. وهنا يأتي دور الإدارة الجيدة التي عليها ان توازِن بين هذين العاملين. أمّا الرأسمال فهو من يؤمّن هذه التوازنات. ولفت الى انّ ربحية المصارف في الوضع الراهن مُتأتية من عاملين: ما تبقّى من تسليفات للقطاع الخاص وهي في حدود الـ 40 مليار دولار، ومن الفوائد على ودائعه في المصرف المركزي. والسؤال: هل انّ مصادر الربحية هذه ستمكّن المصرف من توفير مؤوناته وأكلافه التشغيلية؟
وعمّا يتردد انّ تأمين سيولة بنسبة 3% في المصارف المراسلة هو شرط يصعب على المصارف تأمينه، يقول حمود: إنّ هذا الشرط هو أقل بكثير من المعايير المعتمدة عالمياً، حيث ترتفع هذه النسبة الى 10%. وعليه، اذا كان هذا الشرط صعب فالاستمرارية تصبح أصعب.
ما مصير المودع؟
وعمّ اذا كان امتحان شباط سيعيد الاموال الى المودعين؟ يقول حمود: تعود أموال المودعين، في حال أدّت الدولة دور الراعي الصالح تجاههم وعملت على حماية حقوقهم، ولَو بعد حين. فمتى «وقفت الدولة على رجليها» واستعادت نشاطها وعادت الى العمل وأمّنت ايرادات، سيتكوّن لديها فائض في ميزان المدفوعات تُسَدّد منه الودائع. ورأى اننا اليوم في وضع افضل من السابق لأننا بدأنا نعتاد على تغيير نمط حياتنا بعدما كان مبنيّاً على السفر والبذخ والخدم والاستيراد والماركات العالمية، فمتى حققنا توزاناً في مستوى معيشتنا يصبح لدينا فائض في ميزان المدفوعات. وأكد انه اذا لم تنهض الدولة وتعود الى كيانها وحضورها فإنّ خطة النهوض بالقطاع المصرفي ستكون غير ممكنة.
واذا كان مصير المودع سيختلف بين مصرف تمكن من تنفيذ شروط المركزي وآخر تَخلّف فوضعَ المركزي يده عليه، يقول حمود: انّ الهدف مِن وَضع يد مصرف لبنان على المصرف المتعثّر هو حماية ودائع الناس وتوفير ضمانة استرجاعها، وما سيتغيّر في هذه الحالة هو مالك المصرف فقط، خصوصاً انّ للمصرف المركزي قدرة أكبر في الحفاظ على ودائع الناس وليست لديه مشكلة في إعادتها اليهم طالما هو يدفعها بالعملة المحلية.
وأوضح انه من حيث معيار الموجودات والمطلوبات، فإنّ المصارف اللبنانية غير مفلسة لأنّ موجوداتها لا تزال أكثر من مطلوباتها، إنما المشكلة هي في ارتفاع الطلب على السيولة في وقتٍ ليس في استطاعة المصارف تَسييل كل موجوداتها. وما تدخّل المركزي في هذا الوقت سوى لِقطع الطريق على مزيد من الخسائر يخشى ان تؤدي لاحقاً الى ارتفاع المطلوبات على الموجودات، عندها تكون الكارثة أكبر.
Views: 1