الكاتب: عماد مرمل – الجمهورية
لم تكن مواقف قائد الجيش العماد جوزف عون عادية، خلال لقائه مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة، بل هي انطوت على مضمون غير مألوف في ادبيات المؤسسة العسكرية، فما هي دلالاتها واستهدافاتها؟
بدا العماد عون خلال مخاطبته الضباط الكبار في اليرزة، كأنّه يعلن عن «انتفاضة» على السلطة السياسية، ولم يكن ينقص سوى أن يشارك العسكريون في حرق الإطارات في الشارع، حتى تكتمل صورة «الإحتجاج المرقّط».
خاطب عون المسؤولين، ليس في اعتباره موظفاً يتلقّى الأوامر منهم، بل كمعارض ناقم على الواقع، سائلاً إيّاهم: «لوين رايحين وشو ناويين تعملوا؟» ومضيفاً، في معرض إنتقاد خفض موازنة الجيش: «لا يهمّهم الجيش ولا معاناة عسكرييه».
كذلك، اصابت نيرانه نمط المقاربة الرسمية لمفاوضات الترسيم، داعياً «السلطة السياسية إلى القيام بواجباتها لدعم الوفد المفاوض ومواكبته، وتحديد ما هو مطلوب منه، أو أن تعلن موقفها صراحة».
ولعلّ بعض «الخبثاء» ذهب بعيداً في تفسير خطاب عون، مستنتجاً انّه لا يخلو من نفحة مرشح رئاسي، على أنّ الأكيد هو أنّ قائد الجيش اختار في هذه اللحظة ان ينحاز الى جانب الشارع والمحتجين، فيما تعلو اصوات من داخل الحكم تطالبه بالحزم الميداني.
وبعيداً من التأويلات، تؤكّد مصادر عسكرية رفيعة لـ «الجمهورية»، «انّ كيل الجيش طفح، ولم يعد في مقدوره الإستمرار في الصمت إزاء ما يتعرّض له كمؤسسة عسكرية من إجحاف، وما يتعرّض له عموم اللبنانيين من قهر».
وتقول المصادر، انّ كلمة قائد الجيش امام الضباط هي صرخة ورسالة موجهتان الى كل اركان السلطة بلا استثناء، آملة في أن «يستمعوا الى هذه الصرخة ويلتقطوا الرسالة، قبل أن تتفاقم الأمور اكثر وتزداد سوءاً».
وتعتبر المصادر العسكرية، انّ «على المسؤولين السياسيين ان يتحمّلوا مسؤولياتهم ويسرعوا في اتخاذ القرارات الضرورية، سواء لجهة تشكيل الحكومة فوراً او لجهة ضبط ارتفاع سعر الدولار»، مشيرة الى انّ العسكريين مثلهم مثل المواطنين، يعانون من تداعيات الأزمة الاقتصادية، «ولا يمكنهم ان يستمروا في تحمّل هذا الضغط المتصاعد الى ما لا نهاية، خصوصاً انّ السلطة زادت في الطين بلّة، عبر القضم المتواصل لموازنة الجيش، في مقابل زيادة الأعباء الميدانية الملقاة عليه».
وتتهم المصادر اطراف السلطة بمحاولة استباحة الجيش، مستغربة كيف يتمّ تشحيل موازنته بنحو كيدي ومن دون التفاهم المسبق مع قيادته حول التخفيضات الممكنة، «ثم لا يستحون بعد ذلك في أن يطلبوا منه حمايتهم». وتلاحظ انّ قوى السلطة السياسية كانت مطمئنة دائماً إلى أنّ الجيش جاهز لحمايتها من اي تهديد او خطر، «الأمر الذي كان يشجعها على الاسترخاء والتصرف ببرودة أعصاب، لكن حان الوقت لتراجع حساباتها».
وتكشف المصادر، انّ هناك قراراً لدى الجيش بعدم الإنزلاق الى صدام مع الناس المحتجين الموجودين في الشارع، «وهو سيحاول ان يفتح الطرق المغلقة سلمياً حيث أمكن، اما حيث يتعذر عليه ذلك فلن يستخدم القوة لفتحها»، مشدّدة على «أنّ المؤسسة العسكرية منحازة الى جانب البلد والشعب، مع الاخذ في الاعتبار انّ تهديد السلم الاهلي والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة هما خط أحمر».
وتستغرب المصادر كيف أنّ القوى السياسية التي تمسك بالسلطة لا تكتفي بالتضييق المالي على الجيش، «بل تسعى في الوقت نفسه الى التدخّل في التشكيلات والترقيات وغيرها من الامور التي تقع ضمن نطاق شؤونه الداخلية»، مؤكّدة انّ اليرزة تصدّت لهذه التدخّلات ولم تسمح لها بأن تتجاوز أسوار وزارة الدفاع.
ولا تقف شكوى المؤسسة العسكرية عند هذا الحدّ، انما هي تشمل أيضاً طريقة التعامل الرسمي مع ملف مفاوضات ترسيم الحدود، إذ انّ الجيش يشعر، وفق المصادر، أنّ السلطة السياسية، وبدلاً من ان تعزز موقعه التفاوضي، لجأت الى اضعافه بسبب الإمتناع حتى الآن عن توقيع المرسوم المتعلق بتحديد الحدود البحرية للبنان، تمهيداً لإرسال هذه الوثيقة الى الأمم المتحدة، مستهجنة الاستهتار بحقوق لبنان السيادية من المكلّفين بالدفاع عنها.
إزاء كل ما يجري وعندما تُسأل المصادر عمّا سيفعله الجيش اذا استمر الانهيار على كل المستويات، تكتفي بالقول: «كل شي في وقته حلو».
Views: 1