عودة “غير ميمونة” لترامب إلى مِنصّات “السوشيال ميديا”.. لماذا نتنبّأ له بنجاحٍ كبير؟ وكيف يُساهم خلفه بايدن بدورٍ كبير في هذا النّجاح؟ وهل افتقدته الصّحافة فِعلًا؟
جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة الجديد لا يُمكن تصنيفه في خانة الرّؤساء الأمريكيين “خفيفي الظّل”، ولكنّ اعتِرافه في مُؤتمره الصّحافي الذي عقده الأسبوع الماضي لأوّل مرّة بعد مُرور شهرين على دُخوله البيت الأبيض، بأنّه يفتقد خصمه الجمهوري دونالد ترامب، كان دعابة ظريفة من قبله، أضافت بعض الظّرف إلى أقواله التي كانت في مُعظمها أقرب إلى الرّتابة والملل، حسب آراء بعض المُحلّلين.
الرئيس السابق ترامب لم يُخيّب أمل خلفه بايدن، ولم يجعله ينتظر طويلًا، فقد دشّن أمس الثلاثاء موقعًا إلكترونيًّا رسميًّا يحمل اسم “45 أوفيس دوت كوم” على الإنترنت ليكون مِنصّة للتّواصل مع مُؤيّديه، والنّزول إلى ميدان السّياسة مُجدَّدًا، على أمل أن يُحَقّق وعوده بالعودة إلى الرّئاسة مرّةً أُخرى في انتِخابات عام 2024.
إطلالة سريعة على هذا الموقع تُؤكّد أنّ عدم الاعتِراف بالهزيمة وأنّ غُرور العظمة لدى ترامب ما زال مُسيطِرًا على شخصيّته، بالنّظر إلى نشره للعشَرات من صُوره مع قادة عالميين التقاهم أثناء رئاسته، علاوةً على التّرويج لشِعار أمريكا أوّلًا، والتّباهي بإنجازاته في أمن الطّاقة والحُدود، وتعزيز حلِف شمال الأطلسي.
أن يعود ترامب بهذه السّرعة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بدايةً بموقع على الإنترنت ووسط أنباء عن قُرب رفع الحظر عن حسابيه على “التويتر” و”الفيسبوك” فإنّ هذا يعني للوهلة الأولى عودة سريعة للتّضليل، والأكاذيب، والعُنصريّة، في وقتٍ تُؤكّد دراسات أمريكيّة أنّ هذه الظّواهر تراجعت كثيرًا بعد خُروج ترامب من البيت الأبيض، ويكفي التّذكير بأنّ صحيفة “الواشنطن بوست” نشرت إحصائيّة تتضمّن ألفيّ كذبة أطلقها في سنواته الأربع، نِصفها أثناء حملته الانتخابيّة الرئاسيّة.
لا نَعرِف حجم المُتابعين لموقع ترامب الجديد، لكن وجود 88 مليون مُتابع له على “تويتر” قبل إغلاق حسابه، وحُصوله على 74 مِليون صوت في الانتِخابات الرئاسيّة الأخيرة، وإيمان ثُلثيّ أعضاء الحزب الجمهوري بأنّ هذه الانتِخابات كانت مُزوّرةً، كلها تُوحي بأنّ الأكاذيب وأصحابها يحظون بشعبيّةٍ كبيرة داخِل المُجتمع الأمريكي، أو الشّريحة العُنصريّة منه على الأقل.
السّلاح الأقوى في يَد ترامب العائد ليس الأكاذيب والمواقف العُنصريّة، والتّعليقات السّاخرة فقط، وإنّما أيضًا شخصيّة خصمه بايدن الباهتة، وأتباعه، أيّ بايدن، الكثير من سياسات ترامب العُدوانيّة خاصّةً ضدّ التّحالف الروسي الصيني، والتّمسّك بسِلاح العُقوبات الاقتصاديّة التي أعطت نتائج عكسيّةً تمامًا، وزادت من حالة الكراهية لأمريكا، وساهمت في إضعافها ودورها القِيادي، وصُورتها عالميًّا.
ربّما سيكون قِطاع الإعلام بشقّيه التّقليدي، والإلكتروني وخاصّةً (السوشيال ميديا) هو الرّابح الأكبر من عودة ترامب، لأنّ مواقفه الاستفزازيّة وأكاذيبه تُوفّر مادّةً إخباريّة وعناوين مُثيرة.
عودة ترامب إلى الأضواء مُجدَّدًا قد تكون بمثابة أسلحة دمار شامل تَضرِب أمريكا من حيث تعميق انقِساماتها، والتّمهيد بصُورةٍ أو بأُخرى لإطلاق شرارة الحرب الأهليّة بين مُكوّناتها العِرقيّة والدينيّة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 1