البطريرك الراعي ينتقد “حزب الله” بشَراسةٍ بالصّوت والصّورة والدكتور جعجع يتّهم سورية بسرقة الأرض والثّروات اللبنانيّة ويُطالب بتدخّلٍ دوليّ.. ما الذي يتم تحضيره للبنان هذه الأيّام؟ وما دور المُثلّث الأمريكي الإسرائيلي الفرنسي في هذ السّيناريو؟
أزَمات لبنان عديدةٌ ومُتفجّرة، وحالة الانهِيار التي تعيشها البلاد على الصّعد كافّة وصلت بمُعاناة المُواطنين اللّبنانيين إلى مُعدّلات غير مسبوقة، ومع ذلك ما زالت النّخبة السياسيّة اللبنانيّة المسؤولة عن هذا الانهِيار تتصرّف بطُرقٍ غير مسؤولة، وتَصُب الزّيت على نيران الأزمة، لتصعيد حالة الاحتِقان، والدّفع بالبِلاد إلى حافّة الحرب الأهليّة، إن لم يكن قلبها.
وحتى لا نُتّهم بالغرق في العُموميّات، وعدم تسمية الأشياء باسمها الصّريح دون لف أو دوران، نتوقّف عند تطوّرين رئيسين في هذا المِضمار:
-
الأوّل: شريط فيديو مُسرّب انتشر مثل النّار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه البطريرك بشارة بطرس الراعي ينتقد فيه تدخّلات “حزب الله”، والسيّد نصر الله قائده، في سورية والعِراق واليمن، ويعتبرها إجبارًا للّبنانيين لدُخول حرب لا يُريدونها، واصفًا مواقف الحزب هذه بأنّها ضدّ مصلحة الشّعب اللبناني.
-
الثاني: اتّهام الدكتور سمير جعجع سورية بسرقة أرض وثروات غازيّة ونفطيّة لبنانيّة، والمُطالبة بتدخّلٍ دوليّ لمنع ما وصفه بالعُدوان على السّيادة اللبنانيّة.
نختلف في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” مع البطريرك الراعي في اتّهاماته لـ”حزب الله” ليس لأنّ مُعظم أزَمات لبنان تعود إلى مرحلة ما قبل تأسيس هذا الحزب، وخاصّةً ظاهرة الفساد، ونهب ثروات البِلاد، وإنّما لأنّ هذا الحزب عمل ويعمل على استِقرار لبنان، والحِفاظ على أمنه، وكان سدًّا منيعًا في مُواجهة الجماعات المُتطرّفة التي دمّرت سورية، وكانت في طريقها لتدمير لبنان، وتضع المُكوّنين الشّيعي والمسيحي على قمّة مُخطّطاتها للتّصفية بشقّيها السّياسي والدّموي.
أمّا الدكتور سمير جعجع فإنّ عدائه وحزبه لسورية معروفٌ ولا يحتاج إلى شرح، خاصّةً أنّه لم يُشَر مُطلَقًا في أيّ تصريحاته إلى دولة الاحتِلال الإسرائيلي، السّارق الحقيقي للثّروات النفطيّة والغازيّة اللبنانيّة، وينسى، أو يتناسى، أنّ القوّات السوريّة هي التي أنقذت لبنان من حالة الفوضى.
والحرب الأهليّة اللبنانيّة التي استمرّت أكثر من 15 عامًا، وانحازت إلى الطّائفة المسيحيّة ووقفت في خندقها حِفاظًا على الهُويّة والتّركيبة السياسيّة والطائفيّة اللبنانيّة، الأمر الذي عرّضها وقِيادتها لانتِقادات شرسة من باقي الطّوائف الأُخرى.
عندما غزت القوّات الإسرائيليّة لبنان عام 2006 لم يَجِد اللبنانيّون بطوائفهم كافّة، ملاذًا إلا سورية التي فتحت أبوابها وقُلوب أبنائها على مِصراعيها لاحتِضانهم، ولم تُقِم مُعسكرًا واحِدًا للاجئين، ودُون أيّ “مُعايرة”، وعندما واجهت المُستشفيات اللبنانيّة نقصًا حادًّا بالأوكسجين، وبسبب الفساد، هرعت الحُكومة السوريّة وليس أمريكا وفرنسا، إلى إرسال الأطنان منه دُون منّة لإنقاذ المرضى اللّبنانيين من الموت المُحَقَّق بسبب انتشار فيروس كورونا القاتل.
خَتامًا نقول إنّنا لا نتمنّى عودة الحرب الأهليّة التي عشنا فُصولها إلى لبنان، مثلما لا نُؤيّد مُطلَقًا توريطه في أيّ حرب، ولكنّنا نُؤمن بأنّ من أشعلوا فتيل تلك الحرب عام 1975، وبالتّحديد المُعسكر الإسرائيلي الأمريكي الأوروبي، هُم الذين يَقِفون خلف مُؤامرة التّجويع والتّركيع للشّعب اللبناني، هو الذي يُريد إحياء هذه الحرب مُجدَّدًا، وبصُورةٍ أكثر شراسةً، بتَحريضِ الأدوات نفسها، ولعلّ سُلوكيّات السّفيرة الأمريكيّة وتحرّكاتها المُريبة في لبنان هي أحد الشّواهد في هذا المِضمار.
مصلحة الشّعب اللبناني تَكمُن في التّعايش بين جميع ألوان الطّيف السّياسي والطّائفي والوقوف في خندق واحد ضدّ المُؤامرة الحاليّة، والتمسّك بالهُويّة العربيّة الجامعة، والتّوحّد للتّصدّي لأكبر عُدوّين يُهدّدان لبنان وأمنه واستِقراره، وهُما الفساد والعدوّ الإسرائيلي، والإيمان في الوقت نفسه بأحكام الجُغرافيا ومُتطلّباتها، والأهم من كُل ذلك، أنّ لبنان لا يُمكِن أن يكون سويسرا بالمقاييس الأمريكيّة والإسرائيليّة.
“رأي اليوم”
Views: 5