لم تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر، فوزارة الزراعة توقعت أرقاماً أعلى بكثير من الأرقام على أرض الواقع لإنتاج محصولي القمح والشعير.
واستدراكاً لهذه الهوة كان الجفاف الذي حصل هذا العام مخرجاً من تلك المفارقات الكبيرة بين ما أعلن عنه و ما تحقق.
تقول وزارة الزراعة إن الجفاف هذا العام لم يحصل منذ عقود، نتيجة انخفاض معدلات هطول الأمطار إلى نسب تتراوح من محافظة إلى أخرى ما بين 50- 70%، و هذا يعني ارتفاع درجات الحرارة أيضاً بين 6-7 درجات، وزيادة في معدل التبخر، والجفاف يؤثر بشكل كبير ومباشر في الزراعات البعلية، وكما تشير إحصاءات الزراعة، فإن نصف المساحات المزروعة هي زراعات بعلية ومن مختلف أنواع الحبوب، وبذلك يصبح طبيعياً أن يكون الإنتاج الزراعي والمزارعون أكثر المتضررين، وواكبت «الزراعة» ما يحصل بعقد ورشة عمل شارك فيها شخصيات مختلفة من الزراعة وأكساد (المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة) والاستشعار عن بعد…الخ وذلك للبحث في آليات وخطط التقليل من آثار الجفاف.
ما العمل؟
يقول خبراء في الوزارة إن الزراعة والبيئة الزراعية ستتعرضان لأضرار كبيرة مثل تدني إنتاجية الأراضي، وانخفاض مردود الأراضي الرعوية بسبب تدهور الغطاء النباتي الرعوي، ومن الآثار الطويلة الأمد تناقص مساحة الأراضي القابلة للزراعة، وتسارع انجراف التربة وتباطؤ عمليات تحليل المادة العضوية، ومن هذا الواقع طرحت وزارة الزراعة السؤال التالي:
ما العمل لتجاوز أثر التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي؟
يقول المختصون في هذا المجال: إن آثار التغيرات المناخية لا تقتصر على سورية فقط، بل تمتد إلى المنطقة العربية كلها، لذلك كانت خطة العمل التي تطرحها الوزارة تقتضي التعاون المحلي والإقليمي لتنفيذ برامج محددة تخفف من آثار التغيرات المناخية.
وركزت ورشة عمل أقامتها وزارة الزراعة في حماة لمناقشة آثار التغيرات المناخية على مناقشة فكرة “الزراعة الحافظة” كطريقة عمل لمواجهة آثار التغيرات المناخية.
هذه التجربة تم تطبيقها في منطقة الغاب وقد بين رئيس مركز البحوث الزراعية في الغاب الدكتور وسيم عدلة أن تجربة المركز في تطبيقها على بعض المحاصيل بينت أنها تفيد في تخفيض كمية المحروقات، وتقليل كميات البذار، وأنها تساهم في الحفاظ على خصوبة التربة ورطوبتها نتيجة احتفاظها بالمياه أكثر من الزراعات التقليدية، وأنه بعد زراعتها لأكثر من عام بالتناوب بين محصول وآخر يتحقق زيادة في الإنتاج النباتي.
إجراءات إضافية
وزير الزراعة المهندس حسان قطنا أكد حسب صفحة الوزارة على موقعها ضرورة إيجاد مؤسسات تمويل زراعي وتغيير أساليب التمويل المتبعة في المصرف الزراعي، لأن التغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على الفلاحين، وفقد الإنتاج سيفقدهم أمنهم الغذائي، وإمكانية الزراعة في العام التالي، وذلك لعدم امتلاكهم الموارد الكافية لـتأمين مستلزمات الإنتاج المطلوبة.
وطرح الوزير قطنا أيضاً فكرة خلق مشاريع مختصة بمواجهة التغيرات المناخية، وتعديل الدورات الزراعية، ودراسة مناطق الاستقرار الزراعي وتعديل أساليب الفلاحة والمعاملة السمادية والإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات وإدارة الأصناف المناسبة والملائمة للزراعة التي تواجه الجفاف.
إضافة إلى وضع مشروع وطني متكامل لتطبيق تقنيات الري الحديث بشكل أوسع على كامل الأراضي السورية، واستنباط الأصناف المقاومة للجفاف والأسمدة الحيوية ومحسنات التربة (الهدروجيل، الزيوليت، المواد العضوية) والتسميد الأخضر والزراعة العضوية والمياه غير التقليدية وحصاد مياه الأمطار واستعمال المقنن المائي والري الحديث والإنذار المبكر للجفاف والزراعة الذكية مناخياً.
تخفيض المساحات
ومن ضمن الإجراءات التي ذكرتها وزارة الزراعة أيضاً تخفيض المساحات المزروعة في خطة العام القادم بما يتوافق مع الموارد المائية المتاحة، وذلك بعد التنسيق مع وزارة الموارد المائية.
كذلك باشر المركز العربي “أكساد” بالعمل على التكيف مع التغيرات المناخية من خلال عدة إجراءات منها تطبيق نظام الزراعة الحافظة، حيث تم تنفيذ تقنيات الزراعة الحافظة على مساحة 30 ألف هكتار بالتعاون بين وزارة الزراعة وأكساد في كل من المحافظات التالية: الحسكة، درعا، حماة، حلب والرقة، وذكرت الوزارة أن نتائج هذه التجارب أشارت إلى زيادة الإنتاج وتخفيض استهلاك الوقود وكمية البذار وتوفير مياه الري.
حلول إسعافية
مدير مركز بحوث وتطبيقات الاستشعار عن بعد في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد الدكتور يونس إدريس قدم حلولاً للتعامل مع ظاهرة التغيرات المناخية على ثلاث مراحل، وذلك من خلال دراسة أعدها حول “تغيرات المناخ في منطقة البحر الأبيض المتوسط”.
ومما تضمنته الحلول الإسعافية التي طرحها إدريس: وضع خطة مبنية على الموارد المتوافرة من الماء كحل إسعافي، وكذلك تحديد المساحات المروية وكمية المياه المتوافرة، وتطبيق مبادئ حصاد المياه ضمن مساحات الأشجار المثمرة، وتطبيق طرق توفير المياه وترشيد استهلاكها.
أما رؤيته للحلول في المدى المتوسط فهي العمل على وضع خطة لحصاد المياه وتخزينها، وتوزيعها للاستفادة منها في الزراعة، وتطوير أنماط استخدام المياه وترشيدها، وكذلك تطوير تقنيات حصاد رخيصة الثمن للاستخدامات الأسرية في الري والشرب.
أما الحلول طويلة الأجل، فكانت في إعادة النظر في فلسفة التزويد بمياه الشرب نظراً للهدر الكبير وتلوثها بمختلف الملوثات، وإعادة النظر أيضاً في طريقة التعامل مع الصرف الصحي الذي يلوث معظم المصادر المائية، وكذلك إعادة النظر في الأصناف المزروعة خاصة قليلة الإنتاجية، وضبط سوق تأمين البذار وكبح الفساد المستشري فيه، وتخطيط استعمالات الأراضي بطرق حديثة أكثر كفاءة، ووضع خطة لتقليص المساحات البعلية تدريجياً خاصة في المناطق الهامشية ومناطق الاستقرار الرابعة والثالثة.
وكان وزير الزراعة قد صرّح بأن المتوقع من إنتاج القمح لهذا العام لم يتحقق بسبب انحباس الأمطار وتراجع الكميات المتوقع إنتاجها من القمح البعل، والذي بلغت نسبته 50% من إجمالي المساحة التي قدّرتها الوزارة بنحو 1.5 مليون هكتار، وكذلك الحال مع محصول الشعير.
Views: 7