في ظل الظرف العالمي الاستثنائي المتمثل في جائحة كوفيد-19، والتي أصبحت فيها الظرفية الصحية متدهورة، وجل سكان المعمورة يعانون من تأثيراتها الصحية والاقتصادية. وما خلفته من تداعيات سلبية على المنظومة الصحية لكل دول العالم، حتى إن بعض الدول، وخاصة النامية والفقيرة منها، والمتواجدة في القارة الإفريقية والآسيوية وأميركا الجنوبية لم تستطِع مسايرة الوباء وانعكاساته السلبية على المنظومة الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية.
من هنا، يمكن القول إن العالم بات يعيش حصاراً من نوع آخر، وهذا ما تجلى من خلال حالة الطوارئ العالمية، والتي باتت “العرف” السائد في معظم دول العالم، وذلك من أجل الحد من انتشار الوباء، وخاصة سلالاته المتحورة، وهي أكثر فتكاً وانتشاراً وسط البشرية. هذا التحول النوعي في الوباء أصبح يهدد العالم بأسره سواء الدول المتقدمة أو الفقيرة، وذلك ما أكدته “منظمة الصحة العالمية” في آخر تقرير لها، وأكدته الإحصائيات المتعلقة برصد تحركات الوباء.
هذا التأثير السلبي لكوفيد-19، أعطى معطى آخر داخل الساحة السياسية والدولية العالمية، وهو بروز توجه ومفهوم جديد على الحياة السياسة الدولية، وهو ما يمكن وصفه أو تسميته بـ”دبلوماسية اللقاحات”، هذا التوجه الإيجابي إذا استمر ستكون له تداعيات إيجابية على حياة الملايين من البشر على امتداد الكرة الأرضية.
وهنا نطرح السؤال: هل تصلح دبلوماسية اللقاحات ما أفسدته السياسات الدولية وخاصة على المنظومة الصحية وتوزيع اللقاحات؟
من المعلوم أن العالم عرف ضبابية خلال بداية الجائحة كوفيد-19، بسبب عدم تعاون البلدان في ما بينها، حتى منها التي كانت تتواجد داخل تكتلات إقليمية، لمواجهة هذا المستجد الصحي، كمثال على ذلك “الاتحاد الأوروبي” الذي أغلقت دوله حدودها على باقي أعضائها بدون مقدمات أو إشعار مسبق.
هذا خلف آراء متباينة بين جل بلدان العالم، كونها اعتمدت على إمكانياتها الذاتية لمحاربة هذا الوباء المنتشر، وهذا ما أعطى الانطباع أن الدول باتت محاصرة بسبب هذا المستجد، دون أي تعاون دولي يذكر لمكافحة هذا الوباء وهنا طرح السؤال: هل المجتمع الدولي قادر على مواجهة هذا التحدي “كوفيد-19″، وجميع أعضاؤه محاصرون بالوباء ولا يمتلكون رؤية جاهزة لمواجهته؟
هذا السؤال ظل مطروحاً داخل المشهد السياسي الدولي، حتى بدأت “إعلانات” اللقاحات تطرح من قبل الدول والشركات المصنعة لها، هنا أيضاً (طرح سؤال آخر وهو هل تستغل الشركات والدول المصنعة الوباء لأغراض اقتصادية؟). هذا الإعلان الإيجابي أدخل العالم في طور آخر لمواجهة الوباء.
لا سيما أنه فتح له المجال على المستوى الصحي بالبحث عن اختبار وتصنيع اللقاحات، لكي تواجه بها هذا المستجد “كوفيد-19″، وبالتالي يعطي الآمال للبشرية في حياة جديدة. كل هذا جعل الشركات الكبرى تتسابق من أجل الوصول إلى اللقاح المنشود.
لكن في آخر المطاف، وجدت الدول حالها في مساحة متعددة من إنتاج “اللقاحات”، وخاصة الدول النامية والفقيرة وغير المنتجة للقاحات والتي تحتاج إلى أموال كثيرة لشراء هذا “اللقاح” ومن أهمها دول القارة الإفريقية.
هذا التحول في إنتاج اللقاح إلى جانب أنه خلق فوارق سلبية لدى الدول الفقيرة، وذلك في عدم قدرتها على شرائه، أعطى فكرة أخرى للدول الغنية، والتي تستطيع شراء اللقاحات، لترسم خططاً وسيناريوهات مع الدول والشركات المنتجة، لتكون بذلك السباقة في الحصول عليه والمشاركة في التجارب السريرية، حتى تتمكن من شرائه في المواعيد المحددة له.
وهذا ظهر جلياً خلال أول أيام “التطعيم”، التي بدأت بها بعض الدول لسكانها من أجل الحد من انتشار الوباء، ومحاولة التقليص من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين.
غير أن الأهم في هذا الاتجاه هو ظهور مبادرات من قبل بعض الدول المصنعة للقاح، وهي تقوم بإعطاء كميات مهمة من اللقاحات للدول الفقيرة أو التي لا تستطيع شراء الدواء، وهذا المعطى أعطى دينامية جديدة للعلاقات بين الدول، وأصبحنا أمام مفهوم جديد وهو “دبلوماسية اللقاح”.
في الختام، يمكن القول إن العالم دخل في بلورة مفهوم جديد للعلاقات الدولية، وهو مصطلح “دبلوماسية اللقاحات”، لذلك نرى من يسقط في عدم فهم وتنزيل واعتماد هذا المفهوم على أرض الواقع وفي المجال الدولي، وخاصة مع الدول المنتجة “للقاح”، سوف يكون معرضاً للخطر (اقتصادياً واجتماعياً).
لذلك، العلاقات الدولية في ظل “كوفيد-19″، تتجه إلى عدة تغيرات، وسيناريوهات، أما تداعياتها فهي الإطاحة بدول والصعود بأخرى؛ إذا لم تنجح في كبح تداعيات هذا الوباء والحفاظ على تماسكها وسيادتها، وذلك لن يتأتى دون أن تحصل على “دواء” لمواجهة الوباء.
Views: 4