ثلاثة تفجيرات تعقبها ثلاثة حرائق ضخمة في أهدافٍ استراتيجيّة إيرانيّة في أقلّ من أسبوع.. هل يَقِف “الموساد” خلفَ هذه الاستِفزازات؟ وهل ستَرُد إيران وتقع بالتّالي في مِصيَدة نِتنياهو وما هي الموانع؟ ولماذا نعتقد أنّ الأسابيع الثّلاثة المُقبلة هي الأخطَر؟
يُجمِع المُراقبون، ونحنُ من بينهم، أنّ بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي، لن يُغادِر السّلطة، ويَقبَل بالهزيمة بسُهولةٍ على يَدِ خُصومه المُحتَملين في التّحالف الجديد بزعامة نفتالي بينيت ويائير لبيد، ولهذا يُحاول افتِعال “حربٍ مُوسّعة” مع إيران بشتّى الطُّرُق والوسائل لخلط الأوراق، وتقليص، إن لم يَكُن إغلاق الأبواب، أمام استِلام الحُكومة الجديدة للسّلطة، فقد قال صراحةً قبل بضعة أيّام، “إذا كان الخِيار بين الخِلاف مع الحليف الأمريكي، أو خوض حرب ضدّ العدوّ الوجودي إيران فإنّه سيختار الأخير”.
الرئيس الأمريكي جو بايدن كان أوّل من استشعر هذا الخطر، وبادر باستِدعاء الجِنرال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي، إلى واشنطن على عجلٍ الخميس الماضي، لكبْح “تهوّر” نِتنياهو، وإجهاض نواياه الهُجوميّة تُجاه إيران، وكانَ عُنوان التّغطية لهذه الزّيارة تطوير فاعليّة القبب الحديديّة وتعويض كميّات الصّواريخ التي خَسِرَتها أثناء حرب غزّة الأخيرة.
ثلاثة مُؤشِّرات رئيسيّة تُؤكِّد المخاوف الأمريكيّة والإقليميّة من تَصاعُد هذه الاستِفزازات الإسرائيليّة لإيران لدَفْعِها إلى الرّد، وإشعال فتيل حربٍ مُوسّعةٍ في مِنطَقة “الشّرق الأوسط” بالتّالي:
-
الأوّل: نُشوب حريق ضخم في مصنع “زرند” للحديد والصّلب في ولاية كرمان شاه الإيرانيّة الجنوبيّة اليوم الأحد، وسبق هذا الحريق انفجارٌ كبير في المِنطقة الواقعة في جنوب البِلاد.
-
الثّاني: اشتِعال حريق في سفينة “خرج” الحربيّة الإيرانيّة، إثر انفجارٍ وقع على متنها، ممّا أدّى إلى غرقها أثناء تواجدها في بحر عُمان.
-
الثّالث: اشتِعال حريق ضخم جدًّا في 18 خزّانًا من خزّانات مصفاة طِهران العملاقة يوم الأربعاء الماضي، وهو اليوم نفسه الذي وقع فيه حريق السّفينة الإيرانيّة المذكورة آنفًا الأربعاء، واستغرقت عمليّة إطفائه أكثر من يومين بسبب ضخامته.
القاسِم المُشترك في الحرائق الثّلاثة أنها جاءت نتيجة تفجيرات، وما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه التّفجيرات بسبب قصف الأهداف الثّلاثة بصَواريخٍ عن بُعد، أمْ نتيجة زرع قنابل في أماكن داخِلها من قِبَل “عُمَلاء” لجهاز “الموساد”؟
السّلطات الإيرانيّة تتكتّم على أسباب هذه الانفِجارات الثّلاثة، واكتفت بنشر أنباءٍ مُقتَضبةٍ عن حُدوثها عبر الوكالة الرسميّة، دُونَ إعطاء أيّ تفاصيل، أو توجيه الاتّهام إلى إسرائيل بالوقوف خلفها، والتَّوعُّد بالرّد عليها مثلما كان عليه الحال بعد اعتِداءاتٍ مُماثلة.
مِن المُرجَّح أنّ القِيادة الإيرانيّة، بشقّيها السّياسي والعسكري، تُدرِك جيّدًا النّوايا الكامنة خلفها، أيّ جرّها إلى حربٍ حسب التّوقيت الإسرائيلي، وبِما يُحَقِّق الأغراض الانتخابيّة لنِتنياهو في منع خُصومه من الإطاحة به، في حالِ اندِلاع شرارة الحرب، ودُخول البِلاد في حال طوارئ.
الأسابيع الثّلاثة المُقبلة ربّما هي الأهم والأخطر في تاريخ الجمهوريّة الإسلاميّة مُنذ الحرب العِراقيّة الإيرانيّة في مطلع الثّمانينات من القرن الماضي لأسبابٍ ثلاثة:
-
أوّلًا: من المُفتَرض أن تبدأ غدًا الاثنين الجولة الأخيرة والنّهائيّة لمُفاوضات فيينا بين إيران والدّول السّت الكُبرى برئاسة الولايات المتحدة للتّوصّل إلى اتّفاق للعودة إلى الاتّفاق النّووي وهُناك تسريبات أنّها ستكون الجولة الحاسمة.
-
ثانيًا: الانتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة ستنطلق يوم 18 حزيران (يونيو) الحالي، أيّ بعد أُسبوعين، حيث من المُقَرَّر انتِخاب رئيس جديد (من المُرجَّح أن يكون إبراهيم رئيسي) يَخلِف حسن روحاني الذي انتهت فترة حُكمه الثّانية والنّهائيّة حيث سيكون للمُتَشَدِّدين اليَد العُليا في حُكمِ البِلاد.
ما نُريد أن نَخلُص إليه من كُل ما تقدّم من شُروحاتٍ، الوصول إلى قناعةٍ تَستبعِد حُدوث أيّ رَدٍّ إيرانيّ على هذه الاستِفزازات الإسرائيليّة في هذه الأيّام شَديدةِ الحساسيّة والأهميّة معًا، ولكن هذا لا يعني أنّ إيران لن تَرُد، وربّما بشَكلٍ أضخم في مرحلةِ ما بعد الانتِخابات، وحسم ماراثون المُفاوضات النّوويّة سَلبًا أو إيجابًا.
ما يجعلنا نقول ذلك الرّدود الإيرانيّة المُؤلمة السّابقة على اعتِداءاتٍ إسرائيليّةٍ مُماثلة، مِثل تفجير مصنع للصّواريخ الإسرائيليّة في مدينة الرّملة، وإشعال حريق ضخم في مصفاة حيفا نتيجة انفِجار فيها، وحريق آخَر قُرب مطار اللّد الدّولي (بن غوريون)، وتسرّب غاز الأمونيا السّام من خزّانات في مِيناء حيفا، واعتِراف السّلطات الإسرائيليّة رسميًّا بأنّ جميعها جاء نتيجة أعمالٍ “تخريبيّة” واتّهمت إيران بالوقوف خلفها.
إبراهيم رئيسي المُرشَّح الأبرز للفوز بالانتِخابات الرئاسيّة القادمة، يُعتَبر من أكثر المُرشَّحين تَشَدُّدًا، والأكثر قُربًا من المُرشد الأعلى السيّد علي خامنئي وقد يكون خليفته، ولا نَستبعِد أن يتم عرقلة، أو تأجيل، أيّ اتّفاق نوويّ لحين وصوله إلى قمّة السّلطة، لأنّ القِيادة الإيرانيّة لن تُعطِي هذا الإنجاز أو الاختِراق لروحاني المُعتدل والمُغادِر للسّلطة، لكنّ كُلّ الاحتِمالات واردة.
مجيء رئيس إيراني مُتَشَدِّد مِثل رئيسي قد يُؤشِّر لنهاية مرحلة الصّبر الاستِراتيجي الإيراني، وبداية مرحلة جديدة عُنوانها الثّأر الاستِراتيجي لكُلّ الاعتِداءات الإسرائيليّة والأمريكيّة ضدّ إيران، وبأشكالها العسكريّة والاقتصاديّة المُتَعَدِّدة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 1