فيما تسعى السلطة إلى شراء الوقت ولو من جيوب المودعين كسباً لبعض الأيام أو الأسابيع، عسى يأتيها “الفرج” من الخارج على حصان تفاهمات، لا تزال بعيدة المنال، كذّبت “مياه” المؤتمر الصحافي المشترك بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان، “الغطاسين” المقللين من قيمة “التكليف” الممنوح للإدارة الفرنسية في ما خصّ الملف اللبناني، كما يقول بعض مواكبي الحراك الدولي. وفق هؤلاء، فإنّ ما أدلى به الديبلوماسيان يؤكد بما لا يقبل الشكّ أنّ باريس حين دخلت المستنقع اللبناني، كانت تخطط لعدم تركه مهما بلغت الصعوبات، وهي لم تقدم على هذه الخطوة من تلقاء ذاتها، لا بل بتنسيق كامل مع واشنطن، وها هي إدارة جو بايدن تعيد تجديد هذا “التكليف” على مرأى من اللبنانيين.
وقال بلينكن خلال المؤتمر الصحافي المشترك إنّ “الشعب اللبناني يطالب بإنهاء الفساد الذي تمارسه الطبقة السياسية”، مشيراً الى “أننا مستعدون لمساعدة لبنان على التغيير ولكننا بحاجة إلى قيادة حقيقية في بيروت”. وأشار إلى أنّ “فرنسا حليف قديم ونقوم بإحياء العلاقة بيننا لمواجهة التحديات”.
بدوره اعتبر لودريان أن باريس وواشنطن “ستتحركان معاً للضغط” على المسؤولين عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر. وقال: “نلاحظ معاً المأساة التي يمكن أن تحصل في حال تفتت هذا البلد أو زال”، وأضاف “قررنا أن نتحرك معاً للضغط على المسؤولين. نحن نعرف من هم”. وأشار إلى أنه وبلينكن لديهما “التقييم نفسه للوضع” بشأن “الانهيار المأسوي لهذا البلد”، منتقداً القادة السياسيين اللبنانيين و”عجزهم عن مواجهة أدنى تحدٍ أو الشروع بأدنى عمل لإنهاض البلد”.
ماذا تعني هذه المواقف؟
يقول المواكبون إنّها ستدلّ على سلسلة مؤشرات أبرزها:
– إعادة تفعيل المبادرة الفرنسية بدعم أميركي واضح يثبت بأنّ واشنطن ستترك لباريس هامش تحرك واسعاً محمياً بقبّة حديدية من الضغوطات التي أعلن الوزيران عنها بوضوح، ما يؤكد أنّ هذه الجولة قد تكون الأقسى والأكثر فعالية وجدية لمعالجة الملف اللبناني، وفق قواعد تمّ الاتفاق عليها بين الطرفين.
– يثبت كلام الديبلوماسيين الغربيين بأنّ ثمة توجهاً محسوماً لدى هذه الدول بالسير بخيار التغيير الشامل في لبنان، بمعنى “التخلّص” من الطبقة السياسية، ولو أنّ توقيت هذا التغيير وأدواته لا تزال غامضة، إلا أنّ ما تشهده كواليس الاستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة، لا سيما في أوساط مجموعات الحراك المدني و”الثورة”، يدلّ على انخراط غربي جدي في هذا المجال سواء من خلال الدعم التقني الذي يقدم لبعض هذه المجموعات أو من خلال الدعم المالي خصوصاً وأنّ هذه القوى تعمل جاهدة لتوحيد صفوفها وتقديم نفسها للرأي العام ضمن مشروع واحد. ما قد يعني أنّ الدول الغربية تراهن على الاستحقاق النيابي ليكون معمودية التغيير الشرعية، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ تسارع وتيرة الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي قد يكون نتيجة اصرار الدول الغربية على ترك الرمال اللبنانية تتحرك لتبتلع الطبقة السياسية ولكن من دون ملامسة حدود الفوضى الأمنية، ولهذا تبدي هذه الدول حرصها على القوى الأمنية وتحديداً المؤسسة العسكرية وتعمل على حمايتها من تداعيات الانهيار.
– يرفع هذا الكلام من منسوب التقديرات التي تقول إن لبنان قد يواجه ثلاثة أشهر مصيرية قد تغيّر وجهه للمرحلة المقبلة خصوصاً وأنّ تهديد كل من بلينكن ولودريان بالضغوطات يتزامن مع هبوب رياح التغيير في المنطقة والذي يحصل على وقع المفاوضات الجارية على أكثر من صعيد، والتي ستحدد معالم المنطقة وتعيد رسم خريطة النفوذ بين كبار اللاعبين
Views: 1