تسود حالة من البلبلة في العديد من الشركات والمؤسسات التجارية على خلفية تعذر قبض الموظفين رواتبهم بعدما رفضت غالبية المصارف اجراء التحويلات اللازمة مشترطة على ادارات هذه المؤسسات تأمين قيمة رواتب موظفيها نقدا. كما كان لافتا أن موظفي القطاع العام والمتقاعدين لم يقبضوا رواتبهم حتى الساعة للاسباب عينها، علما أن وزارة المال أكدت أمس أنها حولت جميع الرواتب والأجور للقطاع العام بما فيها المتقاعدين.
ولمن يذكر تلك الايام، فإنه حتى ابان الحرب الاهلية وتفكك اوصال الدولة والمؤسسات وانقطاع التواصل بين المناطق، بقيت، رواتب الموظفين والعسكريين في كافة الاسلاك تصلهم بشكل منتظم ونقدا عبر معتمدي قبض في وزارة المال، حيث لم تكن خدمة توطين الراتب في المصارف قد طبقت بعد.
لذا كانت الصدمة لدى الموظفين مضاعفة وهم الذين أموا المصارف كعادتهم اول الشهر ليفاجأوا بعدم تحويل رواتبهم الى حساباتهم، وقد عزت المصارف هذا التأخير الى عجزها عن تأمين السيولة الكافية بالليرة اللبنانية بعدما عمد مصرف لبنان الى تقنين امدادها بالسيولة اللازمة بالليرة اللبنانية في خطوة سعى من خلالها الى تحجيم الكتلة النقدية في الاسواق بغية كبح جماح الاسترسال في الاقبال على شراء الدولار الاميركي، والضغط باتجاه تهدئة سوق الصرف.
مصادر مصرفية وضعت اللوم في الاجراءات التي تعتمدها المصارف على مصرف لبنان الذي بدأ بتقنين ضخ كميات السيولة النقدية التي يسلمها إلى المصارف إلى أقصى حد وخصوصا مع البدء بتطبيق التعميم 158 الذي ينص على دفع نصف قيمة السحوبات بالليرة اللبنانيّة، ووفق سعر المنصة الجديد، البالغ 12,000 ليرة للدولار، وتاليا التأكد من عدم استخدام “اللبناني” لشراء الدولار، بغية ضبط السوق تفاديا لارتفاع الدولار. وتؤكد أنه في الفترة السابقة كان “المركزي”يتيح للمصارف سحب كميات من العملة الوطنية مقابل الخصم من نسبة الفوائد للودائع المجمدة لديه، ولكن هذا الامر لم يعد متاحا بدءا من هذا الشهر، فيما يقتصر الامر حاليا على سحب الكاش من الحساب الجاري للمصارف في البنك المركزي بقيمة رواتب القطاع العام الموطنة لديها.
وأكدت ان القيود التي يفرضها مصرف لبنان على سحوبات المصارف من الليرة تزداد وتيرتها، فبعض المصارف كان يحق لها سحب 180 مليار ليرة شهريا، خفض ليصبح 140 مليار ليرة ثم 110 مليارات ثم 90 مليارا لتتناسب مع حاجتها لتسديد رواتب القطاع العام.
علما أنه في حزيران الماضي خفض مصرف لبنان المبلغ المسلم إلى المصارف إلى 1500 مليار ليرة شهريا بعدما كان نحو 2100 مليار ليرة شهريا (750 مليارا لرواتب القطاع العام والأجهزة الأمنية، و450 مليار ليرة لرواتب للقطاع الخاص، ونحو 800 مليار تذهب لتغطية السحب على سعر 3900 ليرة للدولار).
هذا التقنين هو محاولة من مصرف لبنان وفق ما تؤكد المصادر لامتصاص قيمة سيولة موازية لتلك التي يضخها عبر دفع نصف قيمة السحوبات بالليرة وفقاً للتعميم 158، كي لا يؤدي تنفيذه إلى تضخم كبير في قيمة النقد المتداول بالليرة، وللحؤول دون انهيار سريع في سعر الصرف.
وأكدت المصادر عينها ان مصرف لبنان قالها صراحة للمصارف أن في امكانه تأمين السيولة لدفع رواتب القطاع العام والأسلاك العكسري… أما القطاع الخاص فليتدبر أمره بنفسه.
وكانت المصارف أبلغت الشركات عدم قبولها تحويل الرواتب من حساباتها إلى الموظفين، بدءا من هذا الشهر، وأنه عليها إيداع “الكاش” في المصارف ليحولها المصرف بدوره إلى حسابات الموظفين.
ويبدو هذا الاجراء بديهيا، وفق المصادر خصوصا وان المصارف اصبحت تستعين بالسوق المحلية لتأمين “الكاش” وخصوصا السوبرماركت، بما يرتب على المصارف خسارة جراء العمولة التي تدفعها والتي تراوح بين 6 و10%. لذا، لا يمكنها تحمل تأمين كلفة “الكاش” لكل القطاع الخاص، خصوصا وأن لديها ايضا مسؤولية تأمين السيولة لمودعيها.
وتوازيا، ووفق للمصادر بدأت بعض المصارف بإتخاذ اجراءات مشددة حيث لم تعد تسمح لمودعيها سحب أكثر من 3 او 5 مليون شهريا، وفي بعض الحالات وصلت الى أقل من مليون ونصف مليون ليرة شهريا.
ولكن ماذا عن الشركات التي لا تستطيع تأمين الكاش؟ تؤكد المصادر ان “المصارف تأخذ في الاعتبار هذه المسألة، ولكن في النهاية عليها القبول بتحمل الكلفة التي تتكبدها المصارف لتأمين الكاش، أو عليها تحمل مسؤوليتها في هذا الاطار وتأمين الرواتب “كاش” لموظفيها من دون المرور بالقطاع المصرفي”.
وفيما يتوقع أن تساهم الإجراءات التي يتخذها مصرف لبنان بخفض نسبة طباعة النقد بما يصل إلى 700 مليار ليرة شهريا، أي ما يقارب 10 تريليونات ليرة في السنة، فإن المصارف من جهتها تعمل على التعايش مع هذا الواقع وتشجيع مودعيها على استخدام بطاقات الإئتمان التي يقدر عددها بنحو 3 ملايين بطاقة عبر خصومات تصل الى 5% للزبائن الجدد.
وإذا كانت هذه الاجراءات التي يعتمدها مصرف لبنان مع المصارف مبررة على قاعدة “مكره أخاك لا بطل”، إلا لا تلغي حقيقة ان القطاع الخاص يتجه الى أزمة سيولة خانقة، مع تعذر وصوله الى ودائعه لدفع الرواتب، فيما الموظفون واقعون ما بين سندان شح السيولة وتدني قدرة مؤسساتهم على تلبية الحد الادنى من أجورهم وبين مطرقة الضغوط المعيشية الناتجة وتلفت الاسعار مع بداية رفع التدريجي للدعم على السلع الأساسية، وما سيرافقها من تضخم وغلاء في الأسعار
Views: 4