لماذا يخضع الأردن للابتِزاز الإسرائيلي ويدفع ثمن مياهه المسروقة نقدًا؟ بالأمس الغاز المسروق.. واليوم الماء المسروق.. والقادم أعظم
كثيرةٌ هي الأخبار العربيّة الصّادمة هذه الأيّام، ولكن أكثرها صدمةً واستِفزازًا، بالنّسبة إلينا على الأقل، البيان الصّادر اليوم (الخميس) عن وزارة الخارجيّة الأردنيّة وأكّد أنّ “إسرائيل” ستبيع المملكة 50 مِليون مِتر مُكعّب إضافيّة من المياه، وجرى التّوصّل إلى الاتّفاق بهذا الخُصوص أثناء لقاء بين السيّد أيمن الصفدي وزير الخارجيّة ونظيره الإسرائيلي يائير لبيد، انعَقد اليوم على الجانب الأردني من جسر الملك حسين (اللنبي).
مُعاهدة وادي عربة التي جرى توقيعها عام 1994 تَنُص على حُصول الأردن على 55 مِليون مِتر مُكعّب من المِياه، حصّتها من مِياه نهر الأردن، ولكنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي تُصِرّ على أنّ هذه الحصّة لا تزيد عن ثلاثة ملايين مِتر مُكعّب فقط، أيّ أنّها تُفَسِّر المُعاهدة وبُنودها مثلما تشاء، وتَفرِض تفسيراتها على الجانب الأردني بقوّةِ التّهديد، ولهذا حجبت مُعظمها، وأعطت الأردن حواليّ 3 ملايين مِتر مُكعّب مُعظمها من المجاري المُعالجة.
المملكة تحتاج إلى 1.3 مِليار مِتر مكعّب من الماء سنويًّا، يأتي مُعظَمها من الأمطار ومن نهر الأردن، ولكنّ شحّ الأمطار هذا العام، وتَلاعُب إسرائيل ببُنود مُعاهدة وادي عربة، واستِيلائها على مُعظم مِياه النّهر الفاصِل بينه وبين فِلسطين المُحتلّة، جعل المملكة تُواجِه أزمة مياه طاحنة هذا الصّيف.
لا نَعرِف لماذا تسكت الدّولة الأردنيّة على هذا الابتِزاز الإسرائيلي المُستَفزّ، وتقبل بشِراء هذه الكميّات من مِياهها المسروقة نقدًا، وهي التي تُعاني من أزمة ماليّة خانقة، وعجزًا في ميزانيّتها يزيد عن مِلياريّ دولار، ثمّ كيف تقبل الدّولة الأردنيّة بالتّفسير الإسرائيلي لبُنود مُعاهدة وادي عربة، وتتنازل عن حواليّ 50 مِليون مِتر مُكعّب هي حصّتها المُتّفق عليها من مِياه نهرها، أيّ نهر الأردن؟ وأخيرًا لماذا لا تلجأ السّلطات الأردنيّة للتّحكيم الدّولي بشأن الخِلاف حول تفسير بُنود المُعاهدة؟
الأردن يدفع من قُوت شعبه ثمن مِياهه المسروقة، مثلما دفَع ويدفَع 15 مِليار دولار على عشر سنوات للغاز المسروق أيضًا، أيّ أنّ الأردن يشرب ماءً مسروقًا، ويطهي مُواطنوه طعامهم على غاز مسروق أيضًا، إنّها قمّة المأساة.
نُقطة أُخرى لا بُدّ من طرحها في هذه العُجالة، وهي أنّه إذا كان الأردن في حاجةٍ ماسّة للماء، فلماذا لا يشتريه من مصادر أُخرى غير “إسرائيل”، مِثل سورية التي سارعت أكثر من مرّةٍ لسدّ احتِياجاته المائيّة، ومن مِياه نهر اليرموك مجّانًا دُون أن تتقاضى فِلسًا واحِدًا من مُنطَلق العُروبة وقيم الجِوار؟
الإدارة الأردنيّة لأزمة المياه تحتاج إلى مُراجعة، وشِراء الماء الأردني المسروق من دولة الاحتِلال الإسرائيلي إهانة لكرامة الشّعب الأردني النّشمي الأبِيّ، ونكتفي بهذا القدر.
“رأي اليوم”
Views: 0