هل ستَطوي الأحكام “القاسية” بالسّجن التي صدرت بحقّ باسم عوض الله وشريكه الشريف حسن بن زيد مِلَف “الفتنة” في الأردن أم تُفَرِّخ “فتنًا” وأزمات أُخرى؟ وما هي الأسباب الثّلاثة التي قد تُبقِي النّار تحت الرّماد؟
أصدرت محكمة أمن الدّولة في الأردن اليوم الاثنين أحكامًا بالسّجن لمُدَّة 15 عامًا على المُتّهمين الرئيسيّين الاثنين في قضيّة “الفتنة”، وهُما الدكتور باسم عوض الله رئيس الدّيوان الملكي السّابق، والشّريف حسن بن زيد، أحد أفراد الأسرة الهاشميّة الحاكمة، ولكن من غير المُتوقّع أن تُنهِي هذه الأحكام المِلَف، ليس بسبب قرار هيئة الدّفاع عن المُتّهمين بالطّعن، ومن ثمّ الاستِئناف، وإنّما أيضًا لأنّ هُناك من لا يَعترِف بهذه المحكمة، ويُريد الاطّلاع على المزيد من الأدلّة التي تُدين المُتّهمين، وبقاء الأمير حمزة بن الحسين المُتّهم الأكبر خارج أيّ مُساءلة بعد إعلانه الولاء لشقيقه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
السّلطات الأردنيّة لجأت إلى عرض هذه القضيّة التي هزّت الأردن أمام محكمة عسكريّة “سريّة” و”سريعة” لأنّها تُريد تَجَنُّب المُرافعات العلنيّة، والاستِماع إلى شهادات الشّهود لحساسيّتها الفائقة، ولوجود رغبة لديها بطيّ صفحة هذا المِلَف بأقلّ قدر من الخسائر ورُدود الفِعل الداخليّة والدوليّة.
بعض الأدلّة التي جرى تقديمها إلى المحكمة، وتسريبها من قبل السّلطات إلى وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدّث عن قِيام المُتّهم الرئيسي الدكتور عوض الله بدور المُستشار للأمير حمزة، ودعم توجّهاته بتوظيف الأزمة الاقتصاديّة، وحالة الغَليان الشّعبي نتيجةً لتفاقم الأوضاع المعيشيّة وغياب الحُريّات، لتحقيق طُموحاته في الوصول إلى سُدَّة الحُكم، وحول كيفيّة استِخدام السوشيال ميديا في هذا المِضمار.
هُناك عدّة نُقاط رئيسيّة تجعل من هذه القضيّة غير المسبوقة مُختلفةً عن كُلّ القضايا الأُخرى التي عاشها الأردن على مدى مئة عام من تأسيسه:
-
الأولى: كشفها عن حُدوث حالة من الانقِسام داخِل الأسرة الهاشميّة الحاكمة، وصِراع على الحُكم بالتّالي، بين أُمراء الدّرجة الأُولى.
-
الثانية: تدخّل قِوى إقليميّة في هذه الأزمة حيث تُشير أصابع الاتّهام إلى الأُسرة السعوديّة الحاكمة، والأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد والحاكِم الفِعلي، الذي يعمل الدكتور باسم عوض الله مُستَشارًا له.
-
الثّالثة: مُحاولة “توريط” للبيئة العشائريّة الحاضنة للحُكم في الأردن، وجرّها إلى دعم الأجنحة المُتصارعة في الأسرة الهاشميّة، وتأليبها على تغيير تركيبة الحُكم.
لا نُبالِغ عندما نقول في هذه العُجالة إنّ حدّة الأزمة “الفتنة” هذه، مثلما يحلو للإعلام الرّسمي تسميتها، قد تراجعت، بسبب طريقة إدارتها رسميًّا والتّجاوب الشّعبي المَسؤول مع هذه الإدارة حِرصًا على استِقرار البِلاد، ولكن من الصّعب القول بأنّها تلاشت كُلِّيًّا، فما زالَ الجمر تحت الرّماد، الأمر الذي يتَطلّب الإقدام على خطواتٍ عمليّة فاعلة لعِلاج الأسباب التي أدّت إلى ظُهورها على السّطح بهذه القُوّة، وفي مِثل هذا الظّرف الحَرِجْ الذي تَمُرّ به البِلاد، في ظلّ تدخّلات إقليميّة لقِوى فاعلة لا تُريد الأمن والاستِقرار للأردن، وتصفية حِسابات سياسيّة ثأريّة إقليميّة تاريخيّة.
صحيح أنّ العاهل الأردني بادر بتشكيل لجنة من 92 عُضوًا برئاسة السيّد سمير الرفاعي، رئيس الوزراء الأسبق، تَضُم شخصيّات من مُختلف ألوان الطّيف السّياسي والاقتِصادي والعِرقي والعشائري في الأردن، ولكنّ الحُكم على هذه اللّجنة يأتي من أمرين، الأوّل سقف حُريّاتها، وجديّة النّتائج التي يُمكِن أن تَصدُر عنها، ومدى تجاوبها مع مطالب الشّارع الأردني في الإصلاح الحقيقي والعدالة الاجتماعيّة، والتّوزيع العادل للثّروة، واجتِثاث الفساد من جُذوره بدءًا من النّخبة العُليا، ورِجال الدّولة السّابقين والحاليين وبِطانَتهم.
رأسمال الأردن الحقيقي هو الأمن والاستِقرار والتّعايش بين جميع أطيافه على قَدمِ المُساواة تحت مِظلّة نظام عناوينه الأبرز الشفافيّة والقضاء المُستقل والبرلمان المُنتَخب بتَمثيلٍ حقيقيّ للقاعدة الشعبيّة يملك سُلطات واسعة في المُحاسبة دُونَ أيّ استِثناءات.
هُناك جوانب سلبيّة كثيرة لهذه “الفتنة” لكنّ الجانب الإيجابي الأساسي والأهم، هو تسليطها الأضواء على الكثير من المظالم، والعُيوب الجوهريّة في النّظام الحاكم، بشقّيه التّنفيذي والتّشريعي، علاوةً على الأمني، وإذا لم يتم التّعاطي، وبشَكلٍ سريع مع هذه القضايا الجذريّة والمُهمّة التي تحتل الصّدارة في المطالب الشعبيّة، فإنّ هذه “الفتنة” مُرشَّحة لتَفريخِ فِتَنٍ أُخرى أكثر خُطورة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 0