انفِجار مدينة الصدر يُعيد “داعش” إلى الواجهة مُجَدَّدًا في بغداد
ويُؤكِّد فشَل النّظام السّياسي الذي وضع أُسسه الاحتِلال الأمريكي.. متى سيَأتي الانفِجار أو الحريق القادم؟ ولماذا وصلت الأوضاع إلى هذا التردّي؟ ومن المَسؤول؟ وما هو المَخرج؟
التّفجير الانتِحاري الذي استَهدف سُوقًا شعبيًّا في مدينة الصدر عشيّة عيد الأضحى وأدّى إلى مقتل 36 عِراقيًّا وإصابة 62 آخرين نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنّساء يُؤكِّد بأنّ الدولة الإسلاميّة (داعش) التي أعلنت عن وقوفها خلفه عادَت بقُوّةٍ لهجماتها الدمويّة في وسط العاصمة بغداد إلى جانب مُدُنٍ أُخرى، وأنّ النّظام السّياسي الحاكم فَشِل في إدارة البِلاد، وتحقيق الأمن والاستِقرار ولقمة العيش الكريمة لمُواطنيها.
إنّها رسالة سياسيّة دمويّة واضحة أرادت “داعش”، والذين يَقِفون خلفها توجيهها إلى العِراقيين، وفي مِثل هذا التّوقيت، وبعد 18 عامًا من الاحتِلال الأمريكي يقول عُنوانها الأبرز إنّ المُحاصَصة الطائفيّة فَشِلَت، وإنّ مُؤسّسات الدّولة العِراقيّة هشّة، وإنّ الأجهزة الأمنيّة ينخرها الفساد وليست مُؤهَّلةً لوقف هذه الهجمات وتوفير الحِماية التي يأمَل بها المُواطن.
بالأمس أفاق أهل مدينة الناصريّة على حَريقٍ ضخم في واحد من أكبر مُستشفياتها ممّا أدّى إلى استِشهاد أكثر من 100 مريض مُعظمهم من مرضى فيروس الكورونا، واليوم تفجير انتِحاري في سوق شعبي رئيسي في مدينة الصدر الأكثر اكتِظاظًا وفَقْرًا في العاصمة العِراقيّة، ولا أحد يستطيع أن يتَنبّأ بمكانِ وموعد الانفِجار القادم وعدد ضحاياه.
في الحالين كان المنظر مُؤلِمًا، أشلاء الضّحايا مُتناثرة في مكان الانفِجار والحريق، ونظام صحّي مُنهار، وحُكومة عاجزة تمامًا، لا تملك غير التّعهّد بإجراء التّحقيقات لفضح المسؤولين وتقديمهم إلى العدالة في مُحاولةٍ مكشوفة لامتِصاص الغضب الشّعبي، ولكن مِثل هذه الوعود المُخادِعَة لم تَعُد تنطلي على العِراقيين الذين طفَح كيلهم، وكفَروا بالنّخبة الفاسدة الحاكمة التي نهبت ثروات البِلاد، وهَرّبتها إلى مصارف عربيّة وأوروبيّة في منافيها السّابقة أو استَثمرتها في شركاتِ أبنائها الخاصّة فيها، واذهبوا إلى لندن وجنيف وبيروت ودبي وعمّان لتَروا ذلك بأعينكم.
لم نسمع وَزيرًا أو ضابط أمن قدّم استِقالته اعتِرافًا بالفشل، ناهِيك عن رئيس الوزراء أو رئيس برلمان، أو قائد كبير في الجيش، وما زال المَسؤولون الكِبار في الحُكومة الذين وجّه إليهم المُحتجّون الغاضِبون أصابع الاتّهام يتَربّعون على عرش مناصبهم وكُتلهم وقِياداتها تُدافع عنهم وطهارتهم بشَراسةٍ غير مسبوقة.
كانت بغداد، وفي كُلّ عُصورها واحةً للأمن والاستِقرار والرّخاء الاقتِصادي والتّعايش الشّعبي، وتحظى بالخدمات العامّة الأرقى في مُحيطها، صحيًّا، وتعليمًا، ومُواصلات، ولكن عُملاء الأمريكان واحتِلاله دمّروا كُلّ شيء، وحوّلوا العِراق العظيم الشّهم إلى دولةٍ فاشلة بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، والمُؤلِم أنّه ما زال هُناك من يُؤيِّدهم ويُدافِع وفشلهم وفسادهم.
عندما تَسرِق هذه الزُّمرة الفاسدة أكثر من ترليون دولار من ثروات الفُقراء والمَعدومين، وتفشل على مَدى 18 عامًا في تأسيس جيش قويّ، ومُؤسّسة أمنيّة عصريّة كَفُؤة، فإنّ جميع الحُلول “التّرقيعيّة” لن تُفيد وستُعطِي نتائج عكسيّة.
الانتخابات، ديمقراطيّة أو غير ديمقراطيّة، لم تَعُد الأولويّة والحل بالنّسبة إلى الشّعب العِراقي، لأنّها ستُعيد النّخبة الفاسدة، ومُحاصصتها الطائفيّة، وعِصابات الفساد إلى سُدَّة الحُكم مَرَّةً أُخرى، الشّعب العِراقي يُريد الإطاحة بالعمليّة السياسيّة التي وضع دَعائمها ودُستورها الاحتِلال الأمريكي، واقتِلاعها وإرثها من جُذورها، الشّعب العِراقي يُريد دولة عِراقيّة قويّة، تُرَسِّخ هُويّته العربيّة والإسلاميّة الجامعة، وتَرُد الاعتِبار للمُواطن العِراقي ودوره القِيادي، وتتَطهّر من الفساد والفاسدين، وتُقَدِّمهم إلى العدالة لمُحاسبتهم واستِعادة ما نهَبوه من قُوتِ الشّعب وعرَقه، وتَقِف في وجه الاستِعمار الأمريكي الذي أوصل البِلاد إلى هذه النّهاية المُؤسفة وكُلّ الذين تواطؤا وما زالوا يَتواطؤون معه، ويُكَرِّسون مُخطَّطاته لإذلال البِلاد، وتفتيت وِحدَتها الوطنيّة.
الانفِجار التّالي في مُسلسل الانفِجارات والحرائق قادِمٌ حتمًا طالما هذه النّخبة الحاكمة باقيةٌ في الحُكم، وتحظى بالحِماية الأجنبيّة، وتَستَظِل بمِظلّة حِماية العدوّ الأمريكي، وكان اللُه في عَونِ العِراق والعِراقيين.
“رأي اليوم”
Views: 1