رغم ارتباطه بالقرآن الكريم، والتصاقه بحياة العرب كالوشم على الوجوه، ورغم أن متاحف العالم باتت تحتفظ بلوحات خطٍّ نادرة، وتقام له مسابقات دولية جوائزها مجزية.. إلا أن العديد من الناس والطلاب اليوم لا يعرفون معنى الخط العربي شبه المقدّس، وجمالياته الساحرة، وتشكيلاته الغنية، ولم يتربّوا على الحكمة القائلة: «عليكم بحُسْن الخطّ فإنه من مفاتيح الرزق».. لكن ملتقى الخطاطين المصغّر الذي أقيم مؤخراً في متحف الخط العربي/الشام القديمة أثيرت معه تساؤلات عديدة توجهنا بها إلى إلهام محفوض مديرة المتحف، فأطلعتنا على وقائع المكان وأن «هذه المدرسة الجقمقية هي ثمرة من ثمرات الحضارة الإسلامية فترة المماليك، مثل المدرسة الظاهرية والعادلية والعزيزية والجقمقية والإخنائية وهي الخمس المتبقية من أصل عشرين مدرسة أثرية. ثم بمرسوم رئاسي في السبعينيات تم تحويلها إلى «متحف للخط العربي» لجمالياتها الزخرفية والخطوط العربية الأصلية المنقوشة على جدرانها، وعُرضت فيها نوادر المخطوطات السورية المكتوبة على جلود وجلاميد وأحجار نقشها السوريون القدماء كتوثيق لحياتهم ومعاملاتهم».
• أحرّضها بسؤال: لماذا لا نجد اليوم لوحات للخطاطين السوريين المؤسسين مثل حلمي حباب، ممدوح الشريف، بدوي الديراني، محمود منينين عبد الرحمن الفاخوري, محمد القاضي وغيرهم من العظماء في هذا الحقل، معروضة بشكل دائم في هذا المكان المخصص لها، رغم أنها مكدّسة، كما يقول الخطاطون أنفسهم، في مستودعات مديرية الفنون الجميلة؟!
•• تقول: بالنسبة لي طلبت من مديرية الآثار والمتاحف باعتبار المتحف تابعاً لها، أن نصمم كاتالوغاً خاصاً بهذه اللوحات، مع مكتبة لتفعيل الكتب الخاصة بالخط العربي للمختصين والراغبين والمهتمين والذواقة منهم لكون المكان لا يحتمل أعداداً كبيرة… وقدّمت عدة اقتراحات منذ بدء استلامي للمكان، تجاوب معها الدكتور محمود حمود مدير عام الآثار بحماس شديد… لكن كل المعروضات واللوحات الأصلية والأثرية التي كانت هنا تم نقلها إلى مكان آمن نظراً لخطورة بقائها هنا بسبب الحرب والقذائف..
• ولماذا لم يسمع الكثير من الناس عن المتحف كظاهرة فريدة ووحيدة هنا في سورية.. هل السبب هو شيءٌ من التراجع في نشاطاته الملفتة كما يقول البعض؟
•• على العكس تماماً.. واسمح لي أن أقول لك بكل تواضع ماذا فعلت خلال ثلاث سنين، فمن خبرتي في دورات تطوير المتاحف من اليابان جاءت فكرة أن أبدأ من المحيط القريب كتفاعل اجتماعي أساسي مع أهالي الحي وطلابه ومدارسه والوجهاء وحتى عمال البلدية والمحافظة.. وجميعهم كانوا متعاونين جداً. وخاصة في هذه الفترة من الحرب التي حاولت من ضمن الكوارث التي سببتها أن تهدم الخط العربي واللغة العربية كركيزتين مهمتين من ركائز الهوية الوطنية العربية السورية.. ولذلك كان من ضمن الفعاليات دورات تطوعية لدعم وإحياء الخط العربي قمنا بها بوجود خطاطين متطوعين، وأشدد على كلمة متطوعين لنبالة الفعل الذي قاموا به، مثل: فادي الجعفري، جلال شيخو، كمال كردي… والحضور تنوع بين عدة أجيال. الدورة الأولى: لمدة ثلاثة شهور، الثانية: عشرة أيام.. ومنها ما كان دورة ومحاضرة عن أنواع الخطوط وجمالياته ومدارسه. والبوصلة كانت دائماً بالنسبة لي هي المكان هنا في حد ذاته، وكذلك أقمنا ملتقى الخطاطين السوريين منذ سنتين، حيث تحملت المديرية كل التكاليف من ورق مصقول وأحبار مخصصة وقصبات تخطيط وغيرها.
• ولماذا لا يتكرر هذا النشاط بشكل سنوي أو كل ثلاثة أشهر مثلاً.. ما المانع؟
•• دعوتُ الخطاطين، وطلاب قسم الخط في معهد الفنون التطبيقية.. لكن لا يمكنك أن تجبر أحداً على الحضور أو المشاركة إن هم لم يدركوا أهمية هذه المبادرة والاقتراح.. لكن للأمانة ومؤخراً أطلقنا مبادرة جميلة حضرها كبار الخطاطين مثل محمد القاضي وعدنان الشيخ عثمان وفادي الجعفري وغيرهم.. كانت على شكل محاضرتين تتضمنتا عرضاً لكتاب قيّم عن عميد الخط العربي محمود الهوّاري بالتعاون مع أولاده بشكل مباشر والباحث منير أبو شعر، وبرعاية وزارة الثقافة، وحضور مهم وملفت من مديرية الآثار. وأثمرت المبادرة بما تراه الآن من معروضات هي لوحات مصوّرة عن اللوحات الأصلية..
Views: 4