كمال خلف
قبيل الرحيل النهائي للقوات الامريكية من أفغانستان، ومع يقين كافة القوى الإقليمية ان رحيل الجنود الأمريكيين بات امرا واقعا وبسرعة قياسية، برز الاهتمام التركي بافغانستان بشكل خاص من بوابة الناتو، لتكون البديل في حماية وتامين مطار كابل . كانت انقرة تقدر انها من خلال العلاقة المميزة التي تجمع الحليف القطري مع حركة طالبان من جهة، وعضويتها في الناتو من الجهة الأخرى تعطيها ورقة الترشيح الأقوى للعب الدور الرئيس في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأمريكي من هناك . وهي غاية متعددة الفرص، تسمح لانقرة بملء الفراغ الناشئ عن مغادرة الأمريكيين، وتضعها في قلب اسيا حيث المصالح الدولية المتشابكة .
بيد ان موقف حركة طالبان كان متشددا لجهة رحيل كافة القوات الأجنبية بما فيها القوات التركية وتسلمها امن مطار كابل بنفسها . ونزلت تركية عند رغبة طالبان دون ان تقطع قنوات الحوار معها .
وهنا برزت الفكرة البديلة والأكثر قبولا وهو قيام انقرة بمهمة تشغيل وإدارة مطار كابل، وهي مهمة رحبت بها الحركة الحاكمة . ولكن بقي سؤال معلق يتردد وتتنوع الإجابات حوله تحليلا وهو. لماذا الاهتمام التركي بافغانستان وهي لا تملك حدودا مشتركة معها؟
يمكن ربط اهتمام انقرة بمطار كابل باهتمامها بذات القدر باحياء “ممر اللازورد” البري الذي يجعل موانىء تركيا المنفذ الأهم لأفغانستان على أوروبا بحرا. فتكون تركيا وضعت يدها على المنفذين الحيويين للبلاد المطار والطريق الى البحر ومنه الى أوروبا، وهو ما سيجعل لتركيا اليد العليا بين اللاعبين الإقليميين المؤثرين بالوضع الافغاني. خاصة ان الطريق وان كان ممرا اقتصاديا لدول عدة، الا انه بذات الوقت يشكل تحولا في النفوذ الجغرافي والتاثير السياسي، ويقلل من اعتماد أفغانستان على دول مجاورة مثل ايران وباكستان. ويهدد نفوذ روسيا.
فما هو مشروع طريق “اللازورد” وما أهميته الجيوسياسية بالنسبة لتركيا؟
اسم “اللازورد” مشتق من الطريق التاريخي الذي تم تصدير احجار اللازورد الأفغاني وغيره من الأحجار الكريمة منه منذ أكثر من 2000 عام إلى القوقاز وروسيا والبلقان وأوروبا وشمال افريقيا في العصور القديمة.
المشروع الجديد لاحياء هذا الطريق تم افتتاحه في العام 2018 في عهد الرئيس الفار “اشرف غني”، الا ان الظروف السياسية والعسكرية التي ارخت بظلالها على أفغانستان حالت دون المضي قدما في الاستفادة منه. ويربط الطريق أفغانستان بتركيا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا متجاوزا “ايران وروسيا والصين”.
من الواضح ان الاتراك لديهم الحماس الان بعد الوضع الجديد في أفغانستان لاحياء المشروع، لما له من قيمة في تعزيز الواقع الجيوسياسي لتركيا في اسيا الوسطى بالاخص قلب اسيا “أفغانستان” وتعزيز الروابط مع الأعراق التركية في البلاد” الطاجيك والاوزبك والتركمان” وإعطاء انقرة مساحة اكبر للتاثير على المناطق المسلمة الناطقة بالتركية في اسيا الوسطى والتي كانت جزء اصيلا من الإمبراطورية العثمانية . ويعطي تركية افضلية في هذا الفضاء الحيوي على حساب روسيا . وهذا يتطلب صداقة وعلاقة جيدة مع حركة طالبان للمضي قدما في احياء الطريق .
ووفقا لتقارير تحدثت عن أهمية طريق “اللازورد”، فإن 80 بالمائة من البضائع المشحونة من جنوب اسيا الى أوروبا ستنتقل عبر هذا الطريق، وهو ما يعني وقف اعتماد أفغانستان على ميناء كراتشي في باكستان وموانىء ايران.
كما يعتبر طريق اللازورد للتجارة والنقل العبوري الذي يوصل أفغانستان ودول آسيا الجنوبية بالدول الأوروبية عبر تركيا أقصر طريق للنقل وأكثره أمنا واقله تكلفه للوصول إلى أوروبا و له أهمية كبيرة بالنسبة لبلد غير ساحلي مثل أفغانستان.
واذا كانت باكستان تبدو الأكثر حماسا لسيطرة طالبان على الحكم، ورحبت كل الأحزاب الباكستانية الإسلامية واليسارية والليبراليه بسيطرة طالبان، فيما اعتبروه هزيمة الولايات المتحدة . حتى وسائل الاعلام الباكستانية بالغت في الاحتفاء بما عدوه نصرا وانجازا كبيرا لباكستان مع انتهاء النفوذ الهندي في أفغانستان، ومع عدم إخفاء الدعم الذي كانت تقدمه باكستان للحركة. فان اسلام اباد تصدت لمهمة فتح أبواب المجتمع الدولي امام طالبان. ووجه مستشار الأمن القومي الباكستاني” مؤيد يوسف” تحذيره من أن الغرب يجب أن يعترف على الفور بنظام طالبان أو المجازفة “بارتكاب نفس الأخطاء التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول”. ومن اللافت ان ذات المهمة بدات تتصدر لها تركية. ودعا الرئيس التركي” رجب طيب اردوغان” قادة الحركة الى انقرة. وقد تجد طالبان في تركيا الأنسب لحملها الى الاعتراف الدولي والانفتاح على الغرب، وهذا قد يفتح باب التنافس بين تركيا وباكستان، بالإضافة الى التنافس مع كل من ايران وروسيا حيث هذا الوضع قائم معهما في سورية وليبيا . خاصة ان الدول الثلاث قد تتوجس من الاضرار التي ستحلق بها جراء احياء تركية “طريق اللازورد”.
التنافس بين الدول هو الحال الأقرب في المستقبل المنظور في أفغانستان . وهذا التنافس في اطار المصالح يبقى سياسة دولية مقبولة، فكل دولة لها الحق في العمل على تامين مصالحها وحماية امنها القومي، مالم يتحول هذا التنافس الى صراع تستخدم فيه الدول الاحتراب العسكري بالوكالة على ارض الغير . ويبقى التنافس الأخطر هو ابعد من هذا المستوى الإقليمي الى تنافس الدول الكبرى في العالم، حيث المصالح الاوسع.
كاتب واعلامي فلسطيني
Views: 1