بمُناسبة الذّكرى العشرين لهجمات سبتمبر.. هل كان تنظيم “القاعدة” يعرف أنّه سيضع نُقطة البِداية لانهِيار الامبراطوريّة الأمريكيّة وكيف؟ وهل سيعود التّنظيم باسمٍ آخَر بعد الانتصار الكبير للحاضنة الطالبانيّة؟ وماذا لو تحالف ملالي إيران مع ملالي أفغانستان؟
عندما نتحدّث عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وذِكراها العشرين، يجب أن نضع الطائفيّة، والأيديولوجيّات والمُعتقدات السياسيّة جانبًا “ولو مُؤقَّتًا”، إذا أردنا أن نُجري تقييمًا موضوعيًّا للأحداث والنّتائج المُترتّبة عليها، من مَنظورِ الرّبح والخسارة، ليس في أفغانستان، ومنطقة الشّرق الأوسط فقط، وإنّما على السّاحة العالميّة برمّتها.
أن تتزامن هذه الذّكرى مع الهزيمة الأمريكيّة المُذلّة في أفغانستان، وعودة حركة طالبان مُنتصرة، وتأسيسها لإمارتها الإسلاميّة الثّانية، فهذا يعني، إذا سارت الأُمور وفق الوتيرة الحاليّة، أن الولايات المتحدة فشلت مرّتين، الأُولى في تغيير الأنظمة وإيجاد البدائل الأفضل، والثّانية في إعادة بِناء الدّول وفق المعايير الديمقراطيّة الغربيّة سواءً في أفغانستان أو العِراق أو ليبيا أو سورية.
تنظيم “القاعدة” الذي تُجمِع مُعظم الآراء أنّه كان المُنَفِّذْ لهذه الهجمات، ألحَقَ الهزيمة الأكبر بالولايات المتحدة، ليس بضرب بُرج التّجارة العالمي، وقتل ثلاثة آلاف أمريكي وإصابة ضِعف هذا الرّقم من الجرحى الأبرياء، وإنّما بجرّها، سواءً عن قصد أو بُدونه، إلى حُروبٍ فاشلة في الشّرق الأوسط (أفغانستان والعِراق وليبيا وسورية) أدّت إلى فُقدانها لمكانتها، وهيبتها كقُوَّةٍ عُظمى، وتمهيد الأرضيّة الخصبة لنُهوض دُوَلٍ عُظمى جديدة، ونحن نتحدّث هُنا دُون مُواربة عن الصين القُوّة الصّاعدة، وروسيا القُوّة العائدة من وسط رُكام الاتّحاد السوفييتي.
الولايات المتحدة التي خاضت كُل حروبها في العشرين عامًا الماضية تحت عُنوان مُحاربة الإرهاب، ومُسلسل أكاذيب أسلحة الدّمار الشامل، هي التي، وبعد هزائمها المُتناسخة، باتت تُوَفِّر الحاضنة الأكبر “لإرهابٍ” أكثر خُطورةً، وتُعيد إحياء الأُصوليّة الإسلاميّة “الجِهاديّة” التي اعتقدت أنّها قضت عليها، من خِلال تبنّي مُنظّمات وأحزاب الإسلام السّياسي “المُهادِن” كأحد أدوات التّغيير، وتشكيل نِظام عالمي جديد.
حركة طالبان الأصوليّة التي تُمَثِّل الإسلام “الجِهادي” عادت بقُوّةٍ وأكثر دهاء، واستفادت من كُل أخطائها السّابقة، وعندما تُشَكِّل حُكومة ملالي خمسة من وزرائها من المُعتَقلين في سجن غوانتانامو الأمريكي، ووزير داخليّة (سراج الله حقاني) يتصدّر قائمة الإرهاب، ووزير دفاع (محمد يعقوب) يُعتَبر أكثر تَشَدُّدًا من والده الملا عمر، والشّيء نفسه ينطبق على مُعظم الوزراء الآخرين المُدرَجين على قائمة عُقوبات الأمم المتحدة، فهذا يعني أنّ هذه الحركة المُنتصرة باتت تُشَكِّل التّحدّي الأكبر للولايات المتحدة، وربّما يكون من أبرز مُرتكزات استراتيجيّتها المُقبلة الانتِقام لثلاثين عامًا من الاحتِلال الأمريكي بكُلّ الطّرق والوسائل والتّحالفات، والأُصوليّون لا ينسون أو يغفرون بسُهولة.
لا نُجادل بأنّ الاحتِلال الأمريكي لأفغانستان لأكثر من عشرين عامًا، أضعف تنظيم “القاعدة” وقلّص أخطاره، ونجحت فرقة العُجول الأمريكيّة الخاصّة في اغتِيال زعيمه أسامة بن لادن في آيار (مايو) عام 2011، ولكن هذا لا يعني أنّ عودة هذا التنظيم، وإعادة بنائه بأسماءٍ أُخرى، وقِيادات جديدة باتت مُستحيلةً، فليس هُناك أسهل من تأسيس الجماعات الإسلاميّة الأُصوليّة المُتَشدِّدَة إذا ما توفّرت الحاضنة الدّافئة مِثل أفغانستان.
سُقوط سايغون لم يُدَمِّر أمريكا ولم يُؤدِّي إلى إضعاف قُوّتها، وخسارتها الحرب الباردة، أو يَهُز زعامتها للعالم والغرب، ولكنّ هزيمتها في أفغانستان والعِراق، وقريبًا في سورية، مسألةٌ مُختلفة، وأكثر خُطورةً، وحوّلتها إلى قُوّةٍ “كُبرى” بعد أن كانت قُوَّةً “عُظمى”، والتّوصيف هُنا لوزير الدّفاع البريطاني وليس لنا، وهذا ما دفَع دول الاتّحاد الأوروبي إلى البحث عن تحالفاتٍ وقُدراتٍ دفاعيّة ذاتيّة بعيدًا عن المِظلّة الدّفاعيّة الأمريكيّة التي لا يُمكِن الاعتِماد عليها.
السّياسات الأمريكيّة، بشقّيها الدّاخلي والخارجي، تُجَسِّد أخطاءً كارثيّة، تُؤسِّس لبداية مرحلة الانهِيار العُظمى، وبصُورةٍ مُماثلة لانهِيار كُل الامبراطوريّات الأُخرى السّابقة، وسيُسَجِّل التّاريخ أنّ بداية هذا الانهِيار هو هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتبعاته، وخاصَّةً غزو العِراق وأفغانستان لأسبابٍ إسرائيليّة، وليس لخدمةِ مصالح أمريكيّة.
ملالي إيران أوقفوا أمريكا والعالم الغربيّ على رُكبةٍ ونصف طِوال الأربعين عامًا الماضية، وغيّروا كُلّ المُعادلات، وقواعد الاشتِباك في منطقة الشّرق الأوسط، فكيف سيكون الحال في ظِل الصّعود الكاسِح لملالي أفغانستان، وكيف سيكون الحال إذا تحالف الجانبان، ونسّقوا بين بعضهما البعض وفق رؤية اللواء قاسم سليماني، وعلينا أن نتذكّر دائمًا أنّه لم يَعُد هُناك أيّ شيء مُستَبعد هذه الأياّم في منطقة اسمها الشّرق الأوسط.
نَترُك الإجابة لتَطوّرات الأيّام المُقبلة، ونَعِدُكُم بأنّها ستكون حافلة بالمُفاجآت غير السّارّة لأمريكا وحُلفائها.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 6