د. تركي صقر
يتخبط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أزماته وتصريحاته وآخرها أزمته الحادة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا حول صفقة الغواصات وما يعرف بحلف “اوكوس” أو الشراكة الأمنية الثلاثية الإنكلوسكسونية، وجاءت تصريحاته مؤخراً التي نقلتها صحيفة اللوموند حيال الجزائر وأنه لم يكن للجزائر تاريخ قبل الاستعمار الفرنسي وليس لها أمة أو دولة وبعقلية استعمارية رخيصة يريد أن يكتب تاريخ الجزائر بذاكرة مزورة وفي سياق ذاكرة ماكرون المثقوبة.
لاقت هذه التصريحات الاستفزازية ردود فعل حادة ومباشرة من الجزائر، فاستدعت سفيرها من باريس وأغلقت أجواءها في وجه الطائرات الحربية الفرنسية العابرة إلى مالي وتتواصل وتتصاعد الإجراءات التي لن تقف عند هذا الحد، كما لاقت سخطاً واستنكاراً واسعاً من أوساط فرنسية واسعة التي اعتبرتها مستغربة ولا تليق أن تصدر عن رئيس الجمهورية فضلاً عن تأزيمها العلاقات الفرنسية- الجزائرية التي هي مأزومة أصلاً، فالتشكيك في تاريخ الجزائر من الرئيس الفرنسي وقوله إن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي أثار حنق الجزائريين على مختلف مشاربهم.
مازالت هذه التصريحات تتفاعل ويبدو أن تداعياتها ستكون سلبية وخطيرة على العلاقات الفرنسية- الجزائرية وستلقي بظلالها على مجمل العلاقات الفرنسية- الإفريقية لأنها جاءت بمثابة الصدمة وقدمت دليلاً آخر على قصور نظر السياسة الفرنسية ونقص في حكمة الرئيس ماكرون وقلة درايته إزاء التعاطي مع القضايا الدولية وانطلاقه من عقلية استعمارية بائدة، ما أدى إلى تراجع الدور الفرنسي وأفسح في المجال إلى تهميش فرنسا عالمياً وتطاول حلفائها عليها في حلف “ناتو” وقرصنة صفقاتها كما حصل في صفقة الغواصات وقبلها في صفقة كبيرة مع كندا.
ذيلية السياسة الفرنسية للولايات المتحدة الأمريكية وانخراطها في مشاريعها كمشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع الاستثمار في الإرهاب ودعم العصابات الإرهابية جلب لفرنسا أسوأ العواقب وانحدر بشعبية ماكرون إلى الحضيض، ومن الصعب أن يتخلص من غضب الجزائريين بسهولة ولو اعتذر مئة مرة عن هذه السقطة الكبيرة.
Views: 0