بمُناسبة الذّكرى 48 لحرب أكتوبر: ما هي المعلومات الخطيرة التي كشَفتها وثائق جديدة عن هذه الحرب؟ ولماذا كان دور أشرف مروان وهنري كيسنجر حاسِمًا فيها؟ وهل حدّد بريجنيف ساعة الصّفر فِعلًا؟ ولماذا لا نستبعد أن يكون طرد السادات للمُستشارين الروس مسرحيّة؟
ليس من عادتنا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” الكتابة عن المُناسبات السياسيّة والعسكريّة السّابقة في ذِكراها السنويّة، ولكن ما يدفعنا إلى كسْر هذا التّقليد اليوم، والكتابة عن حرب السّادس من أكتوبر عام 1973 في ذِكراها الـ 48 كشف النّقاب عن مجموعة من الوثائق السريّة، تضمّنت معلومات خطيرة جدًّا عن الاستِعدادات لهذه الحرب ومرحلة ما بعدها، والدّورين الأمريكيّ والروسيّ فيها، والأهم من ذلك تسليط الأضواء على أدوار رجال مِثل هنري كيسنجر، والعميل أشرف مروان الذي كان كاتِم أسرار الرئيس المِصري محمد أنور السادات وجنّده جهاز الموساد.
يُمكِن تلخيص أهم ما ورد في هذه الوثائق من معلومات، قبل التّعليق عليها في النّقاط التّالية:
-
أشرف مروان وحسب دراسة استخباريّة لحلف “الناتو” حول الحرب، بلّغ الإسرائيليين قبل عشرة أشهر بأنّ الرئيس السادات يتعرّض لضُغوطٍ شعبيّة داخليّة، وأنّه بدأ الاستِعداد فِعليًّا لها ثمّ عاد وأبلغهم بموعدها في يوم السّادس من أكتوبر.
-
ثانيًا: تسفي زامير رئيس الموساد الذي جنّد أشرف مروان كان واثقًا من دقّة معلوماته، ولكنّ موشيه ديان وزير الحرب في حينها شكّك فيها، وقال إنّه يُرَجِّح معارك حرب استنزافيّة.
-
ثالثًا: السوفييت، وحسب وثائق بريطانيّة كشفت عنها هيئة الـ”بي بي سي”، لعبوا دورًا كبيرًا في مُساعدة مِصر، وهم من نصحوا السادات بشنّ الحرب في عيد الغفران، وفي النّهار (السًاعة الثّانية بعد الظّهر)، الأمر الذي يُحَقِّق عُنصر المُفاجأة، وأرسلوا 50 سفينة مُحمّلةً بالأسلحة والمعدّات الثّقيلة قبل موعد الحرب بأربعة أيّام إلى اللاذقيّة وطرطوس والإسكندريّة، ممّا يُؤكّد أنُهم كانوا يعلمون بساعة الصّفر مُسبَقًا.
-
رابعًا: لَعِبَ هنري كيسنجر وزير الخارجيّة الأمريكي في حينها دورًا كبيرًا في إنقاذ إسرائيل وإقامة جسر جوّي أمريكي لنقل الأسلحة لتجنّب الكارثة الكُبرى، على حدّ وصفه، ممّا مكّن الجنرال إرييل شارون من فتح ثغرة بين الجيشين المِصريين الثّاني والثّالث والوصول إلى الضفّة الشرقيّة للقناة (ثغرة الدفرسوار).
-
خامسًا: أمريكا أرسلت 90 طائرة فانتوم هوك إلى تل أبيب، وبلغت مُدّة الجسر الجوُي 13 ألف ساعة طيران حملت 22 ألف طن أسلحة مُتطوّرة، أمّا الدّعم الروسي لمِصر وسورية فكان أكبر حيث أرسلوا 50 سفينة مُحمّلةً بصواريخ سام ودبّابات حديثة، إلى جانب أُسطول جوّي مُكوّن من 296 طائرة.
-
سادسًا: الدّعم العربي في هذه الحرب كان عبئًا وعُنصر إعاقة، لأنّه كان استعراضيًّا باستِثناء الدّعم المالي الذي قدّمه الرئيس الجزائري هواري بومدين، وشمل دفع نفقات جميع صفقات الأسلحة الروسيّة لمِصر وسورية.
بالنّظر الى هذه المعلومات الجديدة، وقراءة ما بين سُطورها يُمكن استِخلاص مجموعة من الحقائق المُهمّة:
أ ـ معرفة السوفييت بساعة الصّفر لموعد الحرب، ووضعهم لخُطّة المُفاجأة، وإرسالهم السّفن المُحمّلة بالأسلحة إلى سورية ومِصر قبل موعد الحرب، يَنْسِف النظريّة التي شكّكت بدورهم، وقلّصت من مُساعداتهم.
ب ـ طرد الرئيس السادات للمُستشارين العسكريين الروس في 17 تموز (يوليو) عام 1972 ربّما كان خطّة تضليل مدروسة بالاتّفاق مع القِيادة الروسيّة، بهدف تضليل الإسرائيليين والأمريكان، وجرى الادّعاء بأنّ عمليّة الطّرد هذه جاءت بالتّنسيق مع الاستِخبارات السعوديّة، وإيعازًا من الملك فيصل عبر كمال أدهم، رئيس المُخابرات السعوديّة في حينها، من قبيل الخِداع وعُنصر المُفاجأة، وإخفاء الاستِعدادات للحَرب.
ج ـ لم تتم الإشارة في هذه الوثائق إلى تهديد إسرائيل باستِخدام الأسلحة النوويّة، وربُما يعود ذلك إلى أن لا جديد في هذا التّهديد، ولكنّ الجسر الجوّي الأمريكي كان له الفضل الأوّل في انقاذ إسرائيل من الانهِيار الكامِل.
خِتامًا نقول إنّ الجيشين المِصري والسوري شكّلا معًا تهديدًا وجوديًّا لدولة إسرائيل، ولولا التدخّل العسكري الأمريكي بتَحريضٍ من كيسنجر، ووقف القِتال بمُبادرةٍ منه وبدء المُفاوضات بعدها، وبَذْر بُذور الخِلاف بين الشّريكين المِصري والسوري، لكانت النّتائج مُختلفة كُلِّيًّا، ومن غير المُستَبعد أن يكون كيسنجر عقد صفقة مع السادات أدّت إلى خيانته لسورية والذّهاب إلى القدس المُحتلّة، وتوقيع اتّفاقات كامب ديفيد، ولهذا ليس من قبيل الصّدفة تركيز المُؤامرة العسكريّة على إضعاف وتفكيك الجيش العربي السوري، وجرّ الجيش المِصري لمُؤامرة سدّ النهضة.
حرب السّادس من أكتوبر، ورُغم الخِلافات في وجهات النّظر حولها، حيث يراها البعض “حرب تحريك”، ويراها البعض الآخر حرب تحرير، شكّلت أوّل هزيمة للدّولة العبريّة، ولم ينتصر هذا الكيان في أيّ حرب بعدها، وخاصَّةً في حُروب تحرير جنوب لبنان عام 2000، وحرب تمّوز (يوليو) عام 2006، وأخيرًا وليس آخِرًا، حرب “سيف القدس” في قِطاع غزّة في أيّار (مايو) الماضي.
أذرع المُقاومة القويّة، وصواريخها المُتقدُمة ذاتيّة الصُّنْع في لبنان وقطاع غزُة واليمن، باتت البديل عن الجُيوش العربيّة، وأكثر تأثيرًا على الإسرائيليين عسكريين كانوا أمْ مدنيين، فهذه الأذرع المُزوّدة بترسانةٍ هائلةٍ من الصّواريخ والمُسيّرات، لا تنفع فيها الجُسور الجويّة الأمريكيّة، ولا القنابل النوويّة.
“رأي اليوم”
Views: 1