من مجازر صبرا وشاتيلا إلى جريمة الغدر الدموي في الطيونة يتكرر المشهد ذاته من حيث الفعل والفاعل والهدف، وقد قيل في المأثور أن الطبع غلب التطبع ومن اعتاد على المجازر وسفك الدماء وبنى تاريخه وحياته الشخصية والسياسية على تحريك الفتن والاقتتال الداخلي ورائحة الدم والبارود في الزواريب والحارات لن يكون قابلاً لغير ذلك لاسيما إذا كان أداة قذرة بيد أعداء لبنان وأعداء استقراره وسلمه الأهلي وأن وجوده مرهون بتأدية دوره في إشعال نار الحرب الأهلية في اللحظة التي يطلب منه ذلك.
في هذا السياق قامت عصابات حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع بتنفيذ جريمة الغدر المروعة ضد متظاهرين سلميين ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى قبل أيام يطالبون بالعدالة في تحقيق انفجار مرفأ بيروت، ما يقدم دليلاً جلياً ويؤشر بوضوح إلى صلته بهذا الانفجار الذي دمر ثلث العاصمة اللبنانية وأودى بحياة المئات من الشعب اللبناني الشقيق وأراد المجرم بجريمة الطيونة أن تختلط الأوراق وتغطي على جريمة المرفأ، هكذا أساليب المافيات والعصابات تقوم بتغطية جريمة بجريمة أخرى وإن قادت إلى كارثة جديدة ودفعت بالوضع اللبناني المأزوم أصلاً إلى العودة إلى سنوات الحرب الأهلية السوداء.
ليست المرة الأولى كما ذكرنا التي تقترف فيها عصابات الإجرام القواتية في لبنان مثل هذه الجرائم لخلق مزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار لأن هذا يشكل بيئة ملائمة للعدو الإسرائيلي لبقاء لبنان ضعيفاً منهكاً وبوابة لاستنزاف المنطقة وخاصة استنزاف سورية واستمرار حصارها فلبنان الآمن المستقر مصدر قوة لسورية ودول المنطقة ولذلك ركز الكيان الصهيوني على إضعاف لبنان ومصادرة دوره الريادي لإحداث عجز في مواجهة الكيان الصهيوني وفتح الباب أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
لكن سرعان ما تنبهت قوى المقاومة في لبنان إلى هذا الفخ الجديد الذي نصب لها فضبطت نفسها وأفرادها وحالت دون الانجرار إلى صراع داخلي وسحبت صاعق الفتنة وتحملت مؤقتاً الوجع والجراح ولم تحقق لأصحاب الغدر هدفهم من وراء هذه الجريمة النكراء وهذا ليس عجزاً أو ضعفاً من قوى المقاومة في القدرة على الرد وإنما حكمة قرار في اللحظة المناسبة وهي لن تسكت عن القصاص من المجرمين وردها قادم في أي وقت، وما جرى في الطيونة أظهر من جديد الحقد الكبير الذي يبيته أعداء لبنان على أمنه واستقراره وسلمه وعيشه المشترك ولن يستطيع هؤلاء إعادة عقارب الساعة إلى سنوات الحرب الأهلية مهما جربوا أو حاولوا.
Views: 4