لماذا يُصِرُّ أبو الغيط على تجاهل الانفتاح العربي الرسمي على سورية.. ويحصر الدّعوة لعودتها إلى جامعته بثلاثِ دُوَلٍ فقط؟ ما السِّر وراء هذا العناد؟ وهل تحتاج سورية هذه العودة أصلًا؟
ما زال السيّد أحمد أبو الغيط امين عام الجامعة العربيّة يعيش بعقليّة مرحلة ما يُسمّى الربيع العربي، وهيمنة بعض دول الخليج على دائرة القرار في جامعته، ويرفض استِيعاب التّغييرات الجوهريّة التي طرأت على منطقة الشّرق الأوسط في السّنوات الأخيرة، وغيّرت كُلّ المُعادلات وخريطة القِوى على الأرض.
في المُقابلة التي أجراها السيّد أبو الغيط مع قناة “صدى البلد” المِصريّة مساء الأربعاء وقال فيها “إنّ ثلاث دول عربيّة فقط هي الجزائر والعِراق والأردن لديها رغبة في عودة سورية لشَغل مِقعَدها في الجامعة”، وأضاف “إنّني كأمين عام لم أرصُد أيّ طلبٍ رسميٍّ أو غير رسميّ بشأن بدء إجراءات العودة لشغل المقعد”.
ربّما يُفيد تذكير السيّد أبو الغيط أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي تستضيف بلاده الاجتِماع المُقبل للقمّة العربيّة في آذار (مارس) المُقبل، أكّد أنّها لن تُعقَد بُدون حُضور سورية، وأنّ مُعظم الدّول الخليجيّة أعادت فتح سِفاراتها في دِمشق، باستِثناء قطر والكويت والسعوديّة، وتنخرط الأخيرة في مُفاوضاتٍ “سريّةٍ” لإعادة العُلاقات، وزار وفد منها العاصمة السوريّة بقِيادة رئيس جهاز المُخابرات، والتقى الرئيس بشار الأسد، وجرى الاتّفاق على بدء التّرتيبات لفتح السّفارة مُجَدَّدًا.
تجميد عُضويّة سورية تمّ قبل عشر سنوات تقريبًا (12 تشرين ثاني (نوفمبر) عام 2011) عندما كان وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير يُرَدِّد ليل نهار مقولة “إنّ الأسد سيَسقُط سِلمًا أو حربًا” وتُهيمِن منظومة “أصدقاء سورية” بقِيادة امريكا على قرار مُعظم الزّعماء العرب، ناهِيك عن الجامعة وأمينها العام في حينها عمرو موسى الذي بارك بحَماسٍ غير مسبوق العُدوان الأمريكي الغربي على سورية، وقبلها ليبيا والعِراق، ووفّر له الغِطاء العربيّ، ولم يتبقّ إلا أن يُوَجِّه دعوةً رسميّةً لدولة الاحتِلال الإسرائيليّة للانضِمام إلى الجامعة.
الجيش العربي السوري تصدّى للمُؤامرة ونجَح في استِعادة مُعظم الأراضي السوريّة إلى سِيادة الدّولة، بدَعمٍ من الأصدقاء الرّوس والدّولة الإيرانيّة، وبمُشاركةٍ ميدانيّة من قوّاتها وعناصر تابعة لحزب الله اللبناني، ولعَلّ سُقوط قانون قيصر الأمريكي، والعُقوبات المُنبثقة عنه، وعودة مكاتب مُنظّمات دوليّة، أبرزها مكتب البوليس الدّولي (الإنتربول)، واعتِراف قناة “بي بي سي” بخطأها في السّقوط في حملة أكاذيب استِخدام الأسلحة الكيماويّة في دوما، التي روّجت لها مُنظّمة “الخوذ البيضاء” كلّها مُؤشّرات تُؤكّد أنّ السيّد أبو الغيط لا يُريد أن يعلم، ويُدير وجهه إلى النّاحية الأُخرى.
الدّولة السوريّة التي تتمتّع بالعُضويّة الكاملة في الأُمم المتحدة، ويُشارك وزير خارجيّتها في مُعظم، إن لم يكن كُلّ جلساتها، ليست بحاجةٍ للعودةِ إلى جامعةٍ لم يبْقَ لها أيّ صلة بالعُروبة “غير الاسم”، ولا تُشرّفها العودة إليها، وهي التي، أيّ الجامعة، باتت معزولةً منبوذةً، لا يتَذكّرها أحد، على المُستويين الرّسمي والشّعبي.
الدولة السوريّة تنتمي الآن إلى محور المُقاومة الذي بات القوّة الإقليميّة العُظمى في المِنطقة بما يملكه من أذرعٍ عسكريّةٍ ضاربةٍ، وترسانةٍ عسكريّةٍ طافحة بالصّواريخ الدّقيقة، وطائرات مُسيّرة تُعتَبر واحدة من الأكثر تَقَدُّمًا في العالم، علاوةً على جُيوش تتكوّن من الرّجال الرّجال، التي لم تَخُض حَربًا إلا وانتصرت فيها، وآخِرها حرب السّفن ضدّ العدوّ الإسرائيلي.
الجامعة العربيّة انتهت كمُنظّمة إقليميّة مُنذ إقدام مجلسها على تجميد مقعدي سورية وليبيا، ولم تَقُم لها أيّ قائمة مُنذ ارتكاب تلك الخطيئة استِسلامًا للنّفوذ الخليجي المدعوم أمريكيًّا وإسرائيليًّا، وستكون القِيادة السوريّة مُتفضّلة إذا عادت إليها، واستعادت مِقعدها فيها، خاصَّةً بعد توقيع اتّفاقات “سلام أبراهام” التطبيعيّة المُهينة والمُذلّة.
لا نعتقد أنّ الجزائر ستستضيف أيّ قمّة عربيّة لا تُشارك فيها سورية، وإذا عادت سورية إلى القمّة فإنّ هذه العودة يجب أن تكون مشروطةً باعتِذارٍ صَريحٍ ومُباشر للشعب السوري وشُهدائه، مَقرونًا بدفع التّعويضات، رُغم أنّنا نُؤمِن أنّ هذا الحُضور لو تم، سيكون اعتِرافًا بهزيمة الطّابور الخامس، الذي جمّد عُضويّتها.
نتمنّى على السيّد أبو الغيط أن يفوق من غفوته وحالة الضّلال التي يعيشها حاليًّا، ويفتح عينيه على الوقائع على الأرض، ويُكفّر عن جميع سيّئاته بِشَدّ الرّحال إلى دِمشق حتّى لا يكون آخِر الواصِلين، هذا إذا وجد من يستقبله.. واللُه أعلم.
Views: 4