لماذا كانت استِقالة ميقاتي وحُكومته الأكثر ترجيحًا بعد رفض القرداحي الضّغوط وتمسّكه بموقفه؟ وماذا تعني مُشاركة القائم بالأعمال الأمريكي في اجتِماع وزراء خليّة الأزمة المُوالين للسعوديّة؟ وما عُلاقة قُرب سُقوط مأرب؟
تتفاقم الضّغوط على الدولة اللبنانيّة من قبل السعوديّة ودول مجلس التعاون الخليجي بعد “نبش” تصريحات أدلى بها الوزير جورج قرداحي وصَف فيها قتال الحوثيين بأنّه دفاعٌ عن النّفس في مُواجهة عُدوان يستهدف بلادهم، ووصف الحرب اليمنيّة بأنّها عبثيّة، فقط استدعت أربع دول خليجيّة سُفراءها من لبنان وطردت السّفراء اللبنانيين في عواصمها، بشَكلٍ مُهين، وأغلقت الحُدود أمام وارداتها من لبنان، وحوّلت اللبنانيين العاملين فيها إلى رهائن، وورقة مُساومة بغضّ النّظر عن تأكيداتٍ علنيّةٍ بأنّهم في أمان.
ما يُسمّى بخلية الأزمة التي تضم وزراء سابقين من المُوالين للمملكة العربيّة السعوديّة في لبنان عقدت اجتماعًا طارئًا حضره ريتشارد مايكلز القائم بالأعمال الأمريكي، طالبت في خِتامه باستِقالة الوزير القرداحي، في تزامنٍ مع بيانٍ آخَر صدر عن اجتِماع لثلاث رؤساء وزراء لبنانيين سابقين (فؤاد السنيورة، سعد الحريري، وتمام سلام) وصفوا فيه تصريحات الوزير القرداحي بأنّها ضربة للعُلاقات الأخويّة والمصالح العربيّة المُشتركة التي تربط لبنان بالدّول العربيّة، وتحديدًا دول مجلس التعاون الخليجي، ودعوا الوزير قرداحي للاستقالة أيضًا.
لا نفهم مُشاركة القائم بالأعمال الأمريكي في اجتماع ما يُسمّى بـ”خليّة الأزمة” الطّارئ إلا أنّه شريكٌ ومُحرّض رئيسي، على الأزمة الحاليّة، وكل الأزمات الأُخرى، وبَذْر لبُذور فتنة طائفيّة على أمل تفجير حرب أهليّة في البِلاد، فمِن المُفترض، وحسب بُنود مُعاهدة جنيف الدوليّة المُتعلّقة بالعمل الدبلوماسي أن يقف السّفراء والعاملون في سفارتهم على الحِياد، وعدم التدخّل في شُؤون الدّولة الذين يتواجدون على أرضها.
الأزمة الحقيقيّة ليست تصريحات الوزير القرداحي، وإنّما “حزب الله” وسِلاحه، ووجوده القويّ في السّياسة اللبنانيّة، ودعمه لحركة أنصار الله الحوثيّة في مُقاومتها “الدفاعيّة” للعُدوان السّعودي، سياسيًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا، خاصَّةً بعد أن أوشكت هذه الحركة وحُلفاؤها على السّيطرة على مدينة مأرب التاريخيّة، واحتِياطاتها النفطيّة والغازيّة الهائلة بالتّالي.
أمريكا مُمثّلةً في شخص سفيرتها دورثي شيا فشلت في تأليب اللبنانيين للثّورة ضدّ “حزب الله” من خِلال تفجير أزمات اللّيرة، والمحروقات، والانسِداد الحُكومي، وتجويع الشعب اللبناني، واغتيال عناصر تابعة للحزب كانوا يحتجّون سلميًّا ضدّ القاضي طارق بيطار، المُحقّق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وتسيسه للتّحقيقات على أمل إشعال فتيل هذه الحرب، وها هي الآن، أيّ أمريكا، تُجَنِّد حُلفاءها في الخليج للدّخول إلى حلبة العُقوبات وتجويع الشعب اللبناني بإغلاق الباب أمام صادراته المُتواضعة لها (واردات السعوديّة 220 مِليون دولار سنويًّا).
الوزير القرداحي أكّد لهذه الصّحيفة أنّه لن يخضع للابتِزاز، ولن يتراجع عن تصريحاته، ولن يُقدّم استِقالته، لأنّه لم يُخطِئ عندما أدلى بهذه التّصريحات قبل شهرين من تعيينه وزيرًا للإعلام، ونعتقد بأنّ استِقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي باتت الأكثر ترجيحًا، وما يُؤكِّد ذلك التّصريحات التي أدلى بها اليوم السبت السيّد سليمان فرنجية، زعيم تيّار المردة، وقال فيها “رفَضنا عرضًا من الوزير قرداحي للاستِقالة، ولن نُسَمِّي خليفةً له في حالة إقالته او استِقالته”.
السيّد فرنجية لا يُمكن أن يُدلي بمِثل هذا التّصريح دُون التّنسيق مع “حزب الله”، حليفه الرئيسي، وموقفه هذا يتماهى مع بيان الحزب الذي دعم الوزير قرداحي ووصفه بالرّجل الوَطني الشّجاع، ممّا يعني أنّ إقدام السيّد ميقاتي رئيس الوزراء على إقالة الوزير قرداحي استجابةً للضّغوط السعوديّة الأمريكيّة سيُؤدّي إلى استِقالة وزراء تحالف “حزب الله” والتيّار الوطني بزعامة الرئيس عون، وحركة أمل، وتيّار المردة وهو تحالفٌ يملك الأغلبيّة في البرلمان، وقادرٌ بالتّالي على إسقاط الحُكومة بسحب الثّقة منها.
الازمة اللبنانيّة الحاليّة والمُفتَعلة أحدثت شقًّا في مجلس التّعاون، ناهِيك عن الانقِسام في النّخبة السياسيّة اللبنانيّة، فهذا تحصيلٌ حاصِل، وكان لافتًا أنّ دولتين هما قطر وسلطنة عُمان لم تنضم إلى خطوة سحب السّفراء من بيروت وطرد السّفراء اللبنانيين في عواصمتهما، لكن الدوحة استنكرت تصريحات القرداحي ودعت الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ “إجراءات رأب الصدع بين الأشقاء”، ولعلّ موقف الحُكومة الكويتيّة الدّاعم للسعوديّة كان مُفاجِئًا لأنّ الكويت دائمًا تُحاول الوقوف في خندق الحِياد لتعزيز دورها كوسيط في الأزمات الخليجيّة والعربيّة.
القِيادة السعوديّة أخطأت التّقدير في إثارة هذه الأزمة التي ستأتي نتائجها في غير صالحها حتمًا وستَصُب في مصلحة إيران وحُلفائها، ليس في لبنان فقط وإنّما المنطقة العربيّة بأسْرها، فهي لم تعزل لبنان عربيًّا، وإنّما عزلت نفسها على صعيد الشّعوب على الأقل، الأمر الذي يُحَتِّم إجراء مُراجعات سريعة، خاصَّةً أنّ موازين القِوى لم تَعُد إلى جانبها في حرب اليمن.
“رأي اليوم”
Views: 0