ما هي الغلطة القاتلة التي أطاحت بالمُفتي حسون.. التّحريف “الخاطِئ” لآيات قرآنيّة حول حُدود سورية الكُبرى أمْ الإقامات “الذهبيّة” و”النحاسيّة” في الإمارات؟
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد أمس الاثنين مرسومًا بإلغاء منصب مُفتي الجمهوريّة مُعَزِّزًا في الوقت نفسه صلاحيّات المجلس العلمي الفقهي التّابع لوزارة الأوقاف، الأمر الذي يعني عمليًّا الإطاحة بالشيح أحمد بدر الدين حسون، والانتِصار لوزير الأوقاف في الصّراع الدّائر بين الرّجلين، وظهر في أقوى صُوره في اليومين الماضيين على أرضيّة خطبة للشيخ حسون ألقاها في تأبين المطرب السوري صباح فخري في مدينة حلب تناول فيها تفسيرات لآية في القرآن الكريم اعتبرها المجلس المذكور تحريفًا، وهاجمتها المُعارضة السوريّة لأنّها تتعرّض للمُهاجرين السوريين في الخارج، وتتّهمهم بخِيانة الوطن.
المفتي حسون قال في خطبته الأخيرة، وربّما النهائيّة، إلى أنّ خريطة سورية مذكورةٌ في القرآن الكريم بسُورة “التين” فالله سبحانه وتعالى أقسم ببلاد التّين والزّيتون وطُور سنين والبلد الأمين، أيّ مكّة المكرّمة، وأضاف “في هذه الجُغرافيا خلق الله الانسان في أحسن تقويم، فإذا تركها (في إشارةٍ للمُهاجرين) رددناه إلى أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات”، وتساءل “لماذا ذكَر الله التّين والزّيتون وسيناء ومكّة المكرّمة”، وأجاب “لأنّه في سيناء تكلّم مع موسى، وفي مكّة تكلّم مع سيّدنا إبراهيم، وفي أرض التّين والزّيتون (سورية) جمع كُلّ الأنبياء في صلاةٍ واحدة خِلال الإسراء والمعراج”، وأكّد أنّ حُدود سورية “تمتدّ من غزّة إلى أنطاكية واسكندرون، وقبرص وتبوك”.
هُناك عدّة تكهّنات سادت أوساط النّخبة السياسيّة السوريّة، وانعكست على بعض أوساط التواصل الاجتماعي حول خلفيّات المرسوم السّوري الرئاسي بعزل المُفتي حسون نُوجزها في نُقطتين رئيسيّتين:
-
الأولى: تقول إنّ الرئيس الأسد كان يُريد توحيد المُؤسّسة الدينيّة وجميع مُؤسّساتها تحت سُلطة وزارة الأوقاف، وحصر مهمّة الفتوى في المجلس العلمي الفقهي الذي يضم تحت مظلّته العديد من رجال الدين، وليس في يد شخص واحد هو المُفتي، وربّما هذا ما يُفَسِّر انتِصار الرئيس لوزارة الأوقاف أثناء انفِجار الخِلاف بين وزيرها الشيخ حسون، فمن غير المُمكن انتِقاد الأخير والتّشكيك في علمه الفقهي، دون مُباركة منه، أيّ الرئيس الأسد.
-
والثاني: مُطالبة الشيخ حسون أبناء بلاده “أن لا يبيعوا وطنهم مُقابل إقامات ماسيّة ونُحاسيّة لأنّ سورية الوطن لا يُباع”، في إشارةٍ مُباشرة إلى دولة الإمارات العربيّة المتحدة التي منحت هذه الإقامات شِبه الدّائمة (عشر سنوات) للكثير من الفنّانين ورجال الأعمال السوريين المُقيمين فيها.
الاحتِمال الأوّل هو الأكثر ترجيحًا، ولكن لا يُمكِن استِبعاد الثّاني، أيّ مسألة الإقامات “الماسيّة والنحاسيّة”، خاصّةً لأنّ هذه الإشارة جاءت بعد أيّام من زيارة الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجيّة الإماراتي لدِمشق ولقائه مع الرئيس بشار الأسد، وحمله دعوةً له لزيارة أبو ظبي، وتَعَهُّدًا بإقامة محطّة كهرباء ضخمة لسورية، وضخّ استِثمارات إماراتيّة في معركة الإعمار الوشيكة.
الشيخ حسون، اتّفق معه البعض أو اختلف، كان عالمًا وفقيها، ووقف مع بلاده في أحرج أوقاتها، مثلما كان ضدّ مُؤامرة التّفتيت والتّدمير، وتعرّض لهَجماتٍ وتهديداتٍ من أكثر من جهة، ويقول المُقرّبون منه الذين يعرفونه جيّدًا، إنّه كان مُنفتَِحًا على الأديان ومُتسامحًا مع مُعتنقيها، والأقليّات خاصَّةً، ولكن لا بُدّ من الالتِفات إلى حقيقيّة ثابتة مُلخّصها أن المناصب ليست دائمة، ولا بُدّ من تجديد دماء المُؤسّسات وإعطاء الفُرص لشخصيّات جديدة، والشيخ حسون أخذ الفُرصة كاملةً، مثلما قال أحد المسؤولين السوريين لهذه الصّحيفة.
السّلطات السوريّة، وبعد سُقوط المرارة الخارجيّة بزعامة أمريكا بدأت تُعطي الأولويّة لترتيب البيت الدّاخلي على الصُّعد كافّة، والتّغييرات في وزارة الأوقاف أحد الخطوات في إطار هذه الاستراتيجيّة، حسب أقوال المسؤول نفسه.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 5