هل فاق أعداد ضحايا الحرب اليمنيّة نُظرائهم في سورية؟ وكيف لخّص الراحل عبد الكريم الأرياني صفات اليمني وخُصوصيّة جيناته التي ستُطيل أمَد المعارك لما بعد مأرب وشُروط إيقافها؟ ولماذا جاءت الأرقام صادمة ومُرعبة؟
عبد الباري عطوان
من الصّفات المعروفة المغروسة في جينات المُواطن اليمني، أنّه مهما كان انتماؤه القبليّ أو العقائديّ، لا يُمكن أن ينسى ثأره أو يغفر لأعدائه، وقد يُؤجّل الانتقام ولكنّه لن يتخلّى عنه، أو يتنازل عن حُقوقه، ولا يعرف الاستِسلام مُطلقًا.
تذكّرت هذه الكلمات التي قالها لي الصّديق الراحل الدكتور عبد الكريم الأرياني أثناء إحدى زياراتي المُتعدّدة لليمن بشقّيه الجنوبي والشّمالي سواءً في زمن الانفصال، أو زمن الوحدة بعد الاندماج، تذكّرتها وأنا أقرأ تقريرًا أصدره اليوم الثلاثاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن الأوضاع في اليمن مُنذ اندِلاع الحرب قبل سبع سنوات، وبدء قصف طائرات التحالف تحت شِعار “عاصفة الحزم” في مارس (آذار) عام 2014.
يقول التقرير، وأنا أنقل هُنا حرفيًّا “وجدنا أنّه عند نهاية عام 2021 سيكون الصّراع في اليمن قد أدّى إلى 377 ألف وفاة، ما يَقرُب من 60 بالمئة منها (226200) غير مُباشرة، وحواليّ 40 بالمئة الباقية (150800) وفيات مُباشرة، أيّ قُتِل أصحابها نتيجة الحرب”.
الوفيات غير المُباشرة ومُعظمها من الأطفال بسبب الجُوع والمرض ونقص الرّعاية الصحيّة، وسُوء التّغذية، أمّا الوفيات المُباشرة فهي نتيجة الحرب وقصف المُدن والأحياء السكنيّة، والمدارس والمُستشفيات، وحفَلات الأعراس، ومجالس العزاء.
هذه الأرقام صادمة، من شدّة إيلامها، والأكثر رُعبًا هو عدم الاهتمام بها ومعانيها بشقّيه العربي والعالمي، وانحِياز الكثير من العرب إلى العُدوان والوقوف في خندقه، طمعًا بالمال، أو خوفًا من ضُغوط أصحابه، ونُفوذهم الضّخم على الحُكومات، بل ومُؤسّسات المُجتمع الدولي، وتحالفهم مع أمريكا، ألم يُؤدِّي تحالف هذه الأذرع الماليّة العربيّة قبل سنوات، وإنفاق أكثر من 300 مِليار دولار لإبعاد سورية من الجامعة العربيّة وتدميرها وتجويع شعبها وفرض الحِصار عليها في تطبيقٍ كامل لما يَحدُث في اليمن؟
اليمنيّون فيهم الكثير من صِفات الجمال العربيّة الأصيلة، يصبرون ويصبرون، ولكنّهم في نهاية المطاف يعقرون من اعتدى عليهم وحاول إهانتهم، وانتهك حُرمة وطنهم، ولعلّ تاريخ الغُزاة، سواءً كانوا من الغرب المسيحي أو الشّمال الإسلامي، ونحن نتحدّث هُنا عن الإمبراطوريّة العثمانيّة، وغزوتها المشؤومة لليمن، حيث قُتِل عشَرات الآلاف من رجال حملتها يشهد على ذلك.
عندما سألت زعيم تنظيم “القاعدة” الرّاحل أسامة بن لادن عن الدولة التي سيلجأ إليها في حال إبعاده من أفغانستان، مثلما حصل له في السودان، أجاب بسُرعةٍ، ودون تفكير “إنّها اليمن” فجبال اليمن وشعبها هُما أقدر على حِمايتي، ومعلوماتي المُؤكّدة أنّه تواصل مع أحد شُيوخ اليمن (بن شاجع) لتأمين مأوى له وبعض أنصاره في قمم الجبال اليمنيّة الشّاهقة، ويبدو أن السّلطات اليمنيّة علمت بهذه الاتّصالات وأجهضتها مُبَكِّرًا، وقُتِل الشيخ بن شاجع في حادث سيارة غامض في العاصمة صنعاء، وقد زارني في مكتبي في لندن بصُحبة صحافي يمني، تحوّل إلى دبلوماسي لاحقًا، قبل انكِشاف اتّصالاته مع زعيم “القاعدة”.
استمرار الحرب في اليمن لسبع سنوات جاء لأنّ التحالف الذي تفكّك، وبات مُقتَصِرًا على الطّرف السّعودي في الوقت الرّاهن، ومُقاتلي “حُكومة الشرعيّة” التي يترأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي لم يستطع حسم هذه الحرب لصالحه في شُهورٍ معدودة، مثلما كان يعتقد في بدايتها، ولأنّ الرّافضين للعُدوان، والمُقاومين له، صمدوا وغيّروا قواعد الاشتِباك، ومُعادلات القُوّة على الأرض بامتلاكهم أسلحة وصواريخ مُتطوّرة، وتماسك صُفوفهم، واستِعصاء اختِراقهم من قِبَل الطّرف الخصم.
حركة “أنصار الله” أصبحت تُسيطر الآن على السّاحل الغربي، والملاحة الدوليّة في البحر الأحمر باتت تحت رحمة صواريخها وزوارقها الاستشهاديّة، وخاصَّةً النّاقلات والسّفن الإسرائيليّة المُتّجهة إلى قناة السويس أو خليج العقبة، والعكس، أيّ إلى باب المندب وبحر العرب، الأمر الذي بات يُشَكِّل قلقًا مُزمنًا لأطرافٍ عديدة.
الحرب لن تنتهي باقتِحام حركة “أنصار الله” على مأرب واكتِمال سيطرتهم بالتّالي على جميع مُحافظات اليمن الشّمالي وستستمرّ حتى الثّأر لكُلّ القتلى الجرحى، واستعادة الأراضي اليمنية “المغتصبة” في الشمال، والحُصول على تعويضاتٍ كاملة، وإعادة إحياء دولة اليمن العُظمى في نهاية المطاف، حسب ما قاله لي مسؤول كبير في حُكومة صنعاء طلب عدم ذكر اسمه.. واللُه أعلم.
Views: 1