انتهت الجولة السّابعة من مُفاوضات فيينا مِثل سابقاتها.. لماذا ترتعد إسرائيل خوفًا من التوصّل إلى اتّفاقٍ أو عدمه وتُصَعِّد استِعداداتها للحرب هذه الأيّام؟ وما هي حقيقة وجود خِلاف إسرائيلي أمريكي على إيران؟ وكيف سيكون ردّ الأخيرة إذا هُوجِمَت؟
عبد الباري عطوان
انتهت الجولة السّابعة من المُفاوضات النوويّة الجارية في فيينا بين إيران والدول السّت العُظمى دون التوصّل إلى اتفاق حيث طالبت الوفود المُشاركة العودة إلى حُكوماتها للتّشاور حول بعض المُقترحات المطروحة من الجانبين الأمريكي والإيراني حول إحياء اتفاق عام 2015 الذي انسحبت منه إدارة ترامب.
أجواء التّشاؤم تُخيّم على هذه المُفاوضات بسبب تمسّك الوفد الإيراني بشُروطه لحصْر المُفاوضات على مسألة الرّفع الكامل للعُقوبات، وتوفير ضمانات أمريكيّة بالالتِزام الكامِل بهذا الرّفع، وتقديم ضمانات واضحة في هذا الصّدد، والاتفاق على آليّةٍ جديّة للتّطبيق العملي لتبديد انعِدام الثّقة لدى الجانب الإيراني.
هُناك تسريبات غير رسميّة تقول إنّ مسودّة بمشروع اتفاق حول 80 بالمئة من القضايا المطروحة، إلى جانب اتفاق مرحلي مُوازٍ يقوم على أساس رفع تدريجي للعُقوبات مُقابل تنازلات إيرانيّة مُماثلة في مسائل نسب التخصيب وكميّات اليورانيوم المُخصّب، وأعداد أجهزة الطّرد المركزي، والسّماح للمُفتّشين الدّوليين باستِئناف عملهم، والحُصول على صُور كاميرات المُراقبة، ويبدو أنّ الوفد الإيراني الذي يضم أكثر من 35 عُضْوًا، مُعظمهم من الخُبراء النوويين والاقتِصاديين سيَعرِض بعض الأفكار المطروحة على قِيادته في طِهران.
***
إيران تُعتَبر -في آراء الكثير من المُراقبين -الرّابح الأكبر حتى الآن، سواءً نجحت هذه المُفاوضات، ام وصلت إلى طريقٍ مسدود، ففي حال النّجاح والتّجاوب مع شُروطها برفعٍ كامل للحِصار، فإنّ هذا يعني دُخول 200 مِليار دولار من أموالها المُجمّدة إلى خزائنها فورًا، وعودة صادراتها النفطيُة إلى الأسواق العالميّة، واحتِفاظها ببرامجها الصاروخيّة الباليستيّة وإنتاج الطّائرات المُسيّرة، ومُواصلة توسيع دورها الإقليمي في منطقة الشّرق الأوسط والعالم، أمّا فشل المُفاوضات فهذا يعني استِمرارها في تخصيب اليورانيوم بمُعدّلاتٍ عالية من ضمنها نسبة التّسعين في المئة التي تُؤهّلها لانتاج اسلحة نوويّة إذا صدر قرار المُرشد الأعلي بالغاء الفتوي التي تحرمها، لتُغيُر الظّروف وتردع أيّ تهديدات إسرائيليّة بالهُجوم.
دولة الاحتِلال الإسرائيلي صعّدت في الأيّام الماضية من تهديداتها بتوجيه ضربة عسكريّة لإيران خوفًا من أن تُؤدِّي مُباحثات فيينا إلى اتفاقٍ برفع العُقوبات، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكيّة إلى تحذيرها من الإقدام على أيّ عمليّاتٍ عسكريّة، خاصَّةً بعد تصريحات رئيس جهاز “الموساد” ديفيد بارينياع التي تعهّد فيها بمنع إيران بكُل الطّرق والوسائل من إنتاج أسلحة نوويّة، وقوله “إنّ إسرائيل ترى أنّ زيادة إيران نسبة التّخصيب لأكثر من 60 بالمئة لا تعني إلا أمر واحد وهو إنتاج رؤوس نوويّة أو أنها خطوة ابتزازيّة نوويّة لرفع العُقوبات”.
هُناك أزمة في العلاقات الأمريكيّة الإسرائيليّة، انعكست في الاتّصال الهاتفي الذي أجراه أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أمس التي عارض فيها المطالب الإسرائيليّة بالانسِحاب من مُفاوضات فيينا، وجرّ الولايات المتحدة إلى أيّ حربٍ مع إيران.
بني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي سيطير إلى واشنطن الأُسبوع المُقبل بصُحبة رئيس جهاز “الموساد” في مُحاولةٍ لتسوية هذا الخِلاف، واقناع واشنطن بخطط الهُجوم الإسرائيليّة، ولكنّ مُعظم المُتابعين لهذا المِلف يُرجّحون فشل هذه المساعي الإسرائيليّة، لأنّ الرئيس جو بايدن لا يُريد أيّ حرب جديدة في الشّرق الأوسط تحرف أنظاره عن الأزمتين الرئيسيّتين اللّتين تُواجههما بلاده في تايوان بشرق آسيا، وأوكرانيا مع روسيا في وسط أوروبا.
***
أيّ عُدوان إسرائيلي على إيران سيُواجَه بِرَدٍّ مُزلزل، فالقيادة الإيرانيّة لا تخشى الولايات المتحدة الدولة العُظمى، وأسقطت إحدى طائراتها المُسيّرة الأقوى في أُسطولها (غلوبال هوك) عندما تجرّأت على اختِراق أجوائها فوق مضيق هرمز، ولهذا لن تُعير التهديدات الإسرائيليّة أيّ اهتمام، ولعلّ تحذير الجِنرال إسماعيل قاآني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري أمس من أن الولايات المتحدة “ستتهشّم أسنانها إذا أقدمت على أيّ خطوة ضدّ طِهران مهما كانت بسيطة” أحدث تحذير، وكان مُصيبًا عندما ختم تهديده بالقول “ولّى زَمان فِعل ما يحلو لكم”.
ما لا تُدركه إسرائيل أن هجماتها ومهما تعاظمت لن تُوقف البرامج النوويّة الإيرانيُة، لأنّها موجودة في العُقول أوّلًا، ومدفونة تحت الجِبال الشّامخة (مفاعل فوردو كمثال) ثانيًا، وربُما تحتاج إسرائيل، لا قدّر الله، إلى العشرات من من القنابل النوويّة لتدمير إيران القارّة، ولن تستطيع، بينما قد لا يحتاج تدمير إسرائيل إلا لقُنبلةٍ واحدة، وإذا تعذّر وجودها، وهذا موضع شك، فبضعة آلاف من الصّواريخ، ونُصلّي أن لا نصل إلى هذه النّهاية المُرعبة.. واللُه أعلم.
Views: 8