لماذا يجب علينا أن ننظر بجديّة إلى تحذيرات الرئيس كارتر من حربٍ أهليّة وشيكة في أمريكا؟ وما هي الاستِعدادات التي أقدم عليها ترامب للانقِلاب على الديمقراطيّة وتُزعِج نُخبتها السياسيّة وجميع حُلفائها؟
البروفيسور بول كيندي الفيلسوف البريطاني الشهير، وصاحب كتاب “صُعود وأُفول القِوى العُظمى” الذي باع حواليّ مِليوني نُسخة عندما صدر عام 1987 وترجم إلى 23 لغة من بينها العربيّة، يُحَدِّد مجموعة من الأسباب لأُفول الامبراطوريّات، أبرزها تمدّد عسكري أكبر من قُدراتها الاقتصاديّة، وانفِجار الصّراعات الداخليّة، وظُهور قِوى عُظمى مُنافسة.
هذه الشّروط باتت تنطبق في مُعظمها على الولايات المتحدة الأمريكيّة، خاصَّةً الشّق المُتعلّق بالانقِسامات الداخليّة، التي باتت تُشَكِّل قلقًا مُرعِبًا للكثير من السّياسيين الاستِراتيجيين، هذه الأيّام بالتّحديد مع مُرور الذّكرى السنويّة الأولى لاقتِحام أنصار الرئيس السّابق دونالد ترامب لمبنى الكونغرس الأمريكي، ووجود اعتِقاد راسخ لديهم بأن الانتِخابات الرئاسيّة الأمريكيّة الأخيرة كانت مُزوّرة، وأن نتائجها جرى سرقتها منهم لإسقاط مُرشّحهم الرئيس ترامب لصالح خصمه الدّيمقراطي جو بايدن.
الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي يُوصَف بـ”النّاسك” و”ضمير” المُجتمع الأمريكي، والمُدافع الأوّل عن الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان في العالم حذّر اليوم الخميس في مقالٍ نشره في صحيفة “نيويورك تايمز” من نُشوب حربٍ أهليّة في الولايات المتحدة، ويُؤكّد فيه أن الديمقراطيّة الأمريكيّة أصبحت مُهَدَّدَة، وقال إن مُروّجي أُكذوبة سرقة الانتِخابات استولوا على الحزب الجمهوري وعمّقوا الشّكوك، وانعِدام الثّقة بالديمقراطيّة الأمريكيّة، وباتوا يُلَوِّحون باللُّجوء إلى القُوّة لاستِعادة السّلطة.
تحذيرات الرئيس كارتر على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة بالنّظر إلى ما يجري على الأرض داخِل الولايات المتحدة، حيث بات أنصار الرئيس ترامب، ومُعظمهم من العُنصريين البيض، يرصّون صُفوفهم ويستعدّون للنّزول إلى الشّارع كحركة سياسيّة جماهيريّة جديدة جوهرها العُنف، استِعدادًا للانتِخابات التشريعيّة النصفيّة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبل، والانتِخابات الرئاسيّة عام 2024.
الرئيس السابق ترامب المُحَرِّض الأوّل على اقتِحام الكونغرس بدأ يعود إلى السّاحة السياسيّة بقُوّةٍ، عبر الإكثار من ظُهوره على شاشات التّلفزة اليمينيّة مِثل قناة “فوكس نيوز” المُفضّلة، وقنوات أُخرى، ويستعدّ لإطلاق امبراطوريّته الإعلاميّة الخاصّة، وشركات بديلة لوسائل “السوشيال ميديا” مُنافسة لتلك التي أغلقت حساباته مِثل “التويتر” و”الفيسبوك” ورصد المِليارات من الدّولارات في هذا الميدان.
وإذا أضفنا ظُهور قِوى عُظمى جديدة مِثل الصين وروسيا تُنافس اقتصاديًّا وعسكريًّا إلى جانب هذا التّهديد الدّاخلي الأمريكي، فإنّ مُستقبل الولايات المتحدة كقُوّة عُظمى يبدو ليس قائمًا، بل مُرعِبًا أيضًا لمُؤسّساتها ولجميع حُلفائها.
نعترف نحن الذين عانينا، وما زلنا نُعاني، من حُروب أمريكا وجرائمها على مدى ثمانين عامًا في الشّرق الاوسط، وبالتّحديد مُنذ صُعودها إلى قمّة العالم كقُوّةٍ عُظمى من وسط أنقاض الحرب العالميّة الثانية، نعترف أنّنا شامِتون، ونتمنّى أن تتحقّق نُبوءة البروفيسور كيندي وتحذيرات الرئيس كارتر، وتنهار هذه الإمبراطوريّة الشّريرة الزّائفة التي كانت أوّل من استخدم القنابل النوويّة، واللُه العليّ القدير “يُمهِل ولا يُهمِل”.
“رأي اليوم”
Views: 1