يستكمل الجيش العربي السوري بوتيرة عالية عمليته في الغوطة الشرقية مصمما على معالجة وضع شاذ استحكم لسنوات بخاصرة العاصمة، خاصة بعد أن تصاعدت الإعتداءات في الآونة الأخيرة ليصل عددها حوالي 1200، بمعدل وسطي بلغ 150 اعتداء يومي على مدينة دمشق، مما اسْتَلْزَمَ وضع حد للمسلحين الذين يلقون القذائف على رؤوس سكانها.
السؤال الذي يطرحه الآن معظم السوريون:
ما هي النتائج التي حققها "ثوار" الغوطة بعد أعوام من القتال العبثي مع جيش بلدهم تسبب في دمار الغوطة، وتجويع من بقي فيها، ونزوح معظم سكانها.
أنا أحد الدمشقيين الذين كانوا من سكان الغوطة الشرقية لعقدين من الزمن، وسأسرد بإيجاز ما جرى في الغوطة، ولماذا؟
في العقدين الأخيرين من القرن الماضي تزايد عدد سكان العاصمة، ومع ازدحامها وغلاء السكن فيها، توجه معظم أبناء مدينة دمشق إلى ريفها لقربه ورخص سعر الأبنية فيه، وكان قد سبقهم متعهدين وتجار بناء وجدوا ضالتهم بشراء أو مشاركة أصحاب أراضي الغوطة (ضواحي دمشق عموما) لتشييد أبنية تهافت على شرائها أبناء العاصمة.
وأصبح من يملك قطعة أرض ولو صغيرة في الريف يقوم بتشييد بناء من عدة طبقات فيغدق عليه الملايين من الليرات، بذلك وخلال عقدين انتشر البناء في الريف كالنار في الهشيم، لكن توفر المال وقلة الوعي انعكس سلبا على المجتمع الريفي؛ حيث نشأ جيل ليس بمزارع ولا تاجر ولا متعلم إلا من رحم ربي، جيل يملك الكثير من المال، وقليل من العلم والمعرفة.
وضع ارتضوه بإرادتهم؛ لم يفرض عليهم ساهمت فيه أزمة السكن، وجشع التجار، وشهوة المال، وأصبح بالفعل معظم أهل مدن وبلدات وقرى ريف دمشق أغنياء؛ ولكنهم أقلية.
بذلك أصبح الدمشقيون في ريف دمشق هم السواد الأعظم من ساكنيه، وأكبر المتضررين مما جرى فيه.
لقد دفعوا أثمان بيوتهم سنين تعب وجهد، ثم تركوها نازحين وعائدين إلى مسقط رأسهم الذي إزدحمت دوره وضاقت على أهلها، أو دخلوا في دوامة الآجار المتصاعد جنونيا دون ضابط أو رحمة.
كان خطأ الدولة في البداية أنها تركت الريف يبنى عشوائيا، ويتحكم بسلطاته المحلية وجهاء جهلة، ويقود الرأي فيه أنصاف رجال دين، ولم توظف المال المتوفر في مشاريع ترفد الناتج الوطني؛ بل تركته يرتد نقمة على الدولة ومالكيه.
لقد كنت أحد سكان بلدة "زملكا" التابعة لناحية "عربين" حيث كان في الأخيرة مركز للناحية، وسجل عقاري، ومحكمة، وشعبة تجنيد، ومخفر للشرطة ببضع عناصر.
أيضا في "زملكا" كان هناك مقر للبلدية، ومركز للهاتف، ووحدة للمياه، ومركز للطوارئ وجباية الكهرباء.
كان الأهالي والسكان التابعين لناحية "عربين" حقيقة كمن يتمتع بإدارة ذاتية، مجتمع محلي منغلق على نفسه، حيث عملت فيه الرشوة والمحسوبية على إصدار تراخيص بناء عشوائية، ومع عدم وجود مخطط تنظيمي لمعظم الريف.. تجد (بناء بالطول، وآخر بالعرض، وثالث تحت التوتر العالي كما كان البناء الذي كنت أحد قاطنيه).
ومما ساهم بتأجيج الأزمة في الريف حينها، بعض "انصاف رجال دين" إعتلوا منابرها ليبثوا سمومهم.
كانت التجاوزات في كل شيء (لا محاسب ولا رقيب)
مخالفات في عدد طوابق الأبنية، وتعدي على المرافق العامة، وفيما كان إغلاق المحلات في مدينة دمشق في وقت محدد؛ كان الريف يفتح محاله ليلا ونهارا، وأصحاب المحلات يحتلون الأرصفة وقسم من الشوارع لعرض بضاعتهم، وأكبر مشكلة تحل (ببوسة شوارب) في المخفر، ولا رقابة على البناء، ولا رقابة على الأسعار، ولا تواجد ظاهر لأي جهة أمنية في بلدات وقرى الريف إلا مخفر للشرطة بقوة بسيطة.
اليوم أتساءل باستغراب!!!
بالنسبة لأوضاعهم والأريحية التي كانوا يتمتعون بها..
ما الذي كان ينغص عيشة أهل الريف حتى لمعت برأسهم فكرة "الثورة".. ثورة على ماذا، ولماذا؟
هل "البطر" والملل ما جعلهم يبحثون عن الإثارة كما في مسلسل "باب الحارة" التافه؟
نعم.. أنا لا أسفه أو أبسط الواقع، حتى هتافات من تظاهروا في بداية الأزمة كانت مقتبسة من هذا المسلسل (قولوا الله يا رجال)
دراما خبيثة ساهمت وماتزال في زرع ترهات في عقول جيل كامل، هي لا علاقة لها بحقيقة الشام وأهلها، ولا بثوار الغوطة الأبطال ممن قاوموا المحتل الفرنسي.
أقول:
الحقيقة.. لقد استطاع الغرب وادواته عبر أذيالهم أن يغرروا ببعض إخوتنا من أهل الغوطة (الناس الطيبين) فاستخدم عملاءهم منابر المساجد ومجالس العلم لتعبئة الناس وإقناعهم بأنهم مقيدون وعليهم أن يتحرروا من "النظام" نظام بلدهم.
لا ألوم أهل الريف فقط، فكلنا أخطأنا في مكمان ن ما، حكومة وشعبا، واليوم علينا أن نتسامح ونتصالح، بل نرفض العودة إلى ما كنا عليه، ويجب تصحيح أخطاء الماضي بمحاربة الخونة والفاسدين، وإعادة بناء الحجر والبشر على أسس سليمة كي نصمد أمام ما يواجه بلدنا من تحديات آنية وقادمة.
Views: 7