سورية بعد دُخول “أزمتها” عامَها الثاني عشر.. هل خرجت فِعلًا من عُنُقِ الزجاجة؟ وما هي السّيناريوهات المُتوقّعة في المرحلة المُقبلة؟
عندما بدأ عُدوان طائرات حِلف الناتو على ليبيا قبل 11 عامًا، كتبنا مقالًا تنبّأنا فيه بتِكرار السّيناريو نفسه في سورية، وقُلنا بالحرف الواحد “بروفة ليبيّة والهدف سورية”، وكانت شخصيّات في الحُكومة السوريّة من أوّل الرّافضين لهذه “النّبوءة”، وأكّدوا في أكثر من تصريح ومُقابلة “أن سورية ليست ليبيا”، أيّ أن المُقارنة ليست في محلّها.
هذا الأسبوع أكملت “المُؤامرة” على سورية عامها الحادي عشر، ولكن في ظُروف سياسيّة أفضل، حيث استعادت الدّولة سيطرتها على مُعظم الأراضي السوريّة، باستِثناء احتِلال قوّات أمريكيّة وأخرى تابعة لقوّات سورية الديمقراطيّة ذات الأغلبيّة الكرديّة على قسمٍ كبير من احتِياطات النفط والغاز والأراضي الخصبة شرق الفرات، بينما استمرّ الاحتِلال التركي وفصائله المُسلّحة على بعض المناطق في الشّمال الغربي السوري على رأسها مُحافظة إدلب، ولكن هذا الوضع لن يدوم طويلًا، مثلما لم تدم أوضاع مُماثلة في مُعظم أنحاء البلاد والمسألة مسألة وقت وتوقيت.
المُؤامرة التي استمرّت 11 عامًا، والمدعومة بأكثر من 200 مِليار دولار مُعظمها من دول خليجيّة والولايات المتحدة الأمريكيّة كانت تهدف إلى إطاحة النظام الحاكِم، واستِبداله بآخر تدعمه تركيا ويسير في الفلك الأمريكي، ويتبنّى سياسة تطبيعيّة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتفتيت وحدة التّراب السوري، ولكنّ الجيش العربي السوري وحُلفاءه الاستراتيجيين في روسيا ولبنان وإيران أحبطوا الجُزء الأكبر من هذه المُؤامرة، واستعادوا أكثر من 70 بالمِئة من الأراضي السوريّة إلى سِيادة الدّولة.
مُعظم الدّول التي شهدت ما يُسمّى بثورات الربيع العربي، إن لم يكن كلها، تملك إرثًا ضخمًا مُشَرِّفًا في التصدّي لمشروع الهيمنة الأمريكي الإسرائيلي على المنطقة العربيّة، ودعم المُقاومة الفِلسطينيّة واللبنانيّة لتحرير أراضيها المُحتلّة، ولهذا كانت وما زالت مُستهدفةً، ولكن هذا الاستِهداف يقترب من هزيمته بعد الحرب الأوكرانيّة الحاليّة، التي ستُغيّر كُل المُعادلات في المِنطقة لمَصلحة شُعوبها وقِياداتها الوطنيّة والشّريفة.
كانَ، وما زالَ، مُؤلمًا لنا، أن تكون الحُكومة التركيّة الحاليّة رأس حربة في هذه المُؤامرة على سورية الدّولة الجارة التي وثقت بها، ووقفت في خندقها بكُل أمانة وصِدق في مُواجهة الحركات الانفصاليّة التي تُهَدِّد أمنها واستِقرار بلادها، وأن تفتح دول عربيّة وخليجيّة أبواب خزائنها لدعم وتدريب المُسلّحين المُنخرطين فيها، بتعليماتٍ أمريكيّة صريحة، فإنّه أكثر إيلامًا، ولعلّ اعتِرافات الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس وزراء دولة قطر الأسبق في العديد من مُقابلاته الإعلاميّة، حول تفاصيل المُؤامرة ودور حُكومته وأُخرى خليجيّة، بالصّوت والصّورة ما يُؤكِّد ما نقوله آنفًا.
أكثر من نِصف الشعب السوري تشرّد سواءً داخِل الوطن أو في المنافي الخارجيّة، وما يزيد عن نِصف مِليون من أبنائه وقوّاته المُسلّحة استشهدوا، والباقي الذي صمد على أرض بلاده ورفض مُغادرتها، وما زال يعيش مُعظمه بين الأنقاض، وتحت حِصار أمريكي ظالم، حرَمَه من أبسط مُتطلّبات العيش، والخدمات العامّة والأساسيّة.
سورية التي يمتدّ إرثها الحضاري لأكثر من ثمانية آلاف عام، وكانت موطنًا لإمبراطوريّات عظيمة، وخاضت جميع الحُروب العربيّة ضدّ الاحتِلال الاسرائيلي، وقبضت بقُوّةٍ على جَمْرِ عُروبتها، ورفضت أن تخضع للمُؤامرة وتتنازل عن قيمها وثوابِتها في مُقاومة الاحتِلال والمشروع الصّهيوني، سورية الصّامدة هذه خرجت من عُنُق الزّجاجة، أو أوشكت، وأحبطت المُؤامرة، أو مُعظم فُصولها، ولم تركع مُطلقًا ولن تركع، والشّعوب الحُرّة لا ترضخ ولا تستسلم، ولا تبخل بالعطاء من دمها وأرواحها.
جميلٌ أن الأغلبيّة السّاحقة من السوريين الذين انخدعوا بالدّعاية الامريكيّة المُضلّلة وأدواتها، وانطلت عليهم أكاذيبها المسمومة، بدأوا يستعيدون وعيهم، ويُزيلون الغشاء الذي أعماهم عن رؤية تفاصيل المُؤامرة على بلدهم وعُروبتهم وعقيدتهم الإسلاميّة الحقّة.
هذا الشّعب السّوري الذي أنجب هذا الجيش البطل، وقِيادته الوطنيّة الصّلبة، يستحقّ تلبية جميع مطالبه المشروعة في العدالة والحُريّات، واحتِرام حُقوقه الإنسانيّة، والقضاء العادل، والمُساواة أمام القانون، وتبييض السّجون والمُعتقلات، واستِئصال الفساد والفاسِدين وتعزيز قيم التّسامح والعفو، وهذا هو الحدّ الأدنى من الاعتِراف بالجميل من قبل قيادته، لأنّ التّعامي عن هذه المطالب المشروعة، وأيًّا كانت الأسباب، سيُعيد البِلاد إلى مُربّع الفوضى والدّمار الأوّل، فجَمْر المُؤامرة ما زال تحت الرّماد ينتظر من يَنفُخ فيه، وما أكثر هؤلاء هذه الأيّام.
سورية انتصرت على المُؤامرة وتسير بخُطى واثقة على أرض التّعافي، والخُروج من الأزمة والقضاء على ما تبقّى من ذُيولِ المُؤامرة، والنّصر صبْر ساعة.
“رأي اليوم”
Views: 1