د.تركي صقر
من المتوقع ألّا تنتهي الحرب في أوكرانيا، إلّا ونشهد ولادة نظام عالمي جديد بدأت مؤشراته تظهر تدريجياً ، فالهيجان الأوروبي والأمريكي وهذه الهستريا غير المسبوقة ضد روسيا وحزم العقوبات المتتالية التي لم تنتهِ بعد فاقت التصورات كلها ولم يحصل مثيل لها من قبل، ومن خلالها ظهرت علاقات دولية جديدة واختفت علاقات كانت قائمة حتى الأمس القريب، وهذا المخاض لن يستمر طويلاً حتى يستقر المشهد الدولي بملامح جديدة مختلفة عما سبقها .
بادئ ذي بدء بات مكشوفاً أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي جرّت الدول الأوروبية لتقف موقف العداء الصارخ ضد جارتها الروسية، بل يمكن القول إنها فرضت عليها هذا الموقف وهددت بفرض العقوبات على أي دولة لا تحذو حذوها، ما يشير بلا أدنى شك إلى أنها كانت تخطط لتطويق روسيا وخنقها منذ سنوات طويلة وهذا يفسّر تحريضها حكومة كييف على ألّا توافق على اتفاقيات مينسك على مدى ثماني سنوات، وقامت وتقوم بإغراق أوكرانيا بالأسلحة وتشجيعها على ارتكاب الفظائع و المجازر في إقليم دونباس ذهب ضحيتها أكثر من 13 ألف شخص من الأوكرانيين الناطقين بالروسية ومنعت وقف هذه الاستفزازات لروسيا طوال الوقت .
لقد وجدت واشنطن ضالتها في التوترات المتزايدة بين أوكرانيا وروسيا حول إقليم دونباس وخططت لإشعال الصراع منذ عام 2014 عندما رتبت ما يسمى الثورة البرتقالية ليقوم في كييف نظام معادٍ لموسكو ونشرت القواعد العسكرية والمختبرات البيولوجية على مقربة من الحدود الأوكرانية الروسية وعمدت الى أن تكون أوكرانيا بؤرة إضعاف واستنزاف لروسيا لذلك نجدها تطيل أمد الصراع باتجاهين؛ الأول بزيادة الدعم العسكري حيث خصصت مؤخراً 800 مليون دولار لتزويد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة والفتاكة، والثاني بمنع حكومة كييف من الاتفاق مع روسيا في المفاوضات .
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الأزمة في أوكرانيا وإطالتها يمكن أن يزيحا روسيا من منافستها على الصعيد الدولي ويبقياها متربعة على عرش القطب الواحد، ويفسح المجال لاحقاً لانفرادها بالصين الخصم اللدود الثاني لها، لكن ما فات واشنطن أن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر، فقد تعزز التضامن والتنسيق بين موسكو وبكين وفشل مخطط عزل روسيا حتى داخل الاتحاد الأوروبي ذاته ووقفت دول أوروبية عديدة ضد إيقاف إمدادات الطاقة الروسية، ومن جهة أخرى بدأت الأمور تنقلب على الحسابات الأمريكية بعد أن أشعل ارتفاع الأسعار النار في أوروبا كلها وحتى في الولايات المتحدة ووضع الحكومات الأوروبية في موقف لا تحسد عليه، وهو ما سيضيف عاملاً آخر الى تشكل عالم جديد تختفي منه الهيمنة الأمريكية وسطوة القطب الواحد إلى غير رجعة .
tu.saqr@gmail.com
Views: 3