لماذا يُشَكِّل انضِمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو استفزازًا “ابتزازيًّا” للرئيس بوتين قد يُصَعِّد الحرب الأوكرانيّة؟ وهل سيتمسّك أردوغان بموقفه الرّافض لهاذا الانضِمام أم أنه يُساوم للحُصول على أعلى سِعر من طرفيّ الصّراع في واشنطن وموسكو؟
سيَعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحُكومته استِقبال نظيره الأمريكي جو بايدن رئيسة الوزراء السويديّة ماجدالينا اندرسون، والرئيس الفنلندي سولي نينيستو بعد غد الخميس في واشنطن استفزازًا جديدًا ربّما يُصَعِّد من الحرب في أوكرانيا بالنّظر إلى عزم الدّولتين الانضِمام إلى حِلف الناتو.
المُتحدّثة باسم البيت الأبيض كارين حانبيار قالت إن الزعماء الثلاثة سيبحثون انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، ومن المؤكّد أن قائدا الدولتين سيتقدّمان رسميًّا بطلب العُضويّة إلى سكرتاريّة الحِلف في بروكسل غدًا الأربعاء قبل استِقلالهما الطائرة إلى واشنطن.
قُبول هذين الطّلبين لن يتم بطريقةٍ آليّة، فلا بُدّ من المُوافقة عليه بإجماع الأعضاء الثّلاثين، ولهذا يعتزم الزّعيمان السويدي والفنلندي القيام بزيارةٍ إلى أنقرة في مُحاولةٍ لإقناع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بالتّراجع عن تهديداته بالتصويت ضدّ هذا الانضِمام.
فنلندا والسويد تخلّتا عن حيادهما كليًّا، وقرّرتا حسم موقفهما بالانضِمام إلى المُعسكر الغربي بزعامة أمريكا وفي مُواجهة جارهما الروسي، الأمر الذي قد يُعرّض أمن واستِقرار بلديهما للخطر.
الأمر المؤكّد أن قرار الانضمام هذا سيُزعج روسيا، لأنه يعني تمركز قوّات حلف الناتو على حُدودها الغربيّة ولهذا سارع ديمتري بيسكوف المتحدّث باسم الكرملين بالتّصريح للصحافيين اليوم “لسنا مُقتنعين بأن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف سمال الأطلسي سيُعزّز بطريقةٍ ما، أو يُحسّن الهيكليّات الأمنيّة في قارّتنا الأوروبيّة”، وأضاف “هذه قضيّة خطيرة وتُثير قلقنا وسنُتابع نتائج هذا الانضِمام على أمننا الذي يجب ضمانه بطريقةٍ غير مشروطة على الإطلاق”.
تصريح بيسكوف هذا يتّسم بالدبلوماسيّة والغُموض، بالمُقارنة مع تصريحٍ آخَر سابق لسيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجيّة الذي كان أكثر صراحةً ووضوحًا عندما قال “مِثل هذا القرار خطأ جسيم ستكون لعواقبه أبعاد هائلة”، وأضاف “الاتحاد الروسي سيكون مُضطَرًّا لاتّخاذ إجراءات رد عسكريّة تقنيّة وغيرها من أجل تحييد التهديدات لأمنه القومي”.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّة هو عن الموقف التركي، أو “بيضة القبّان” في هذه المسألة، فهل تستمر تركيا في تهديداتها التي وردت على لسان الرئيس أردوغان وقال فيها أمس الاثنين “إن تركيا لن تُوافق على مساعي البلدين (السويد وفنلندا) للانضِمام إلى حلف الناتو، واصفًا السويد بأنّها مفرخة للمنظّمات الإرهابيّة ضدّ بلاده، وإن لديها إرهابيين في برلمانها”.
الرئيس أردوغان يُعلّي من سقف مطالبه لأنّه يدرك جيّدًا أن طرفيّ مُعادلة الحرب في أوكرانيا، أيّ روسيا وأمريكا باتا في حاجةٍ إليه، ولا بُدّ أنّه ينتظر العرض الأعلى من أيّ منهما للحُصول على أكبر قدر من المكاسب السياسيّة والاقتصاديّة وإجبار السويد على إبعاد أو لجْم جميع مُواطنيها من أصلٍ كرديّ بوقف دعمها لنُظرائهم المُتمرّدين في تركيا، وهُناك أمثلة كثيرة في هذا المِضمار تؤكّد هذه الحقيقة.
أردوغان يُريد دعمًا من روسيا لمُخطّطاته لتقسيم سورية، وإقامة كيان على أراضيها للمُعارضة، ولاستِيعاب 5 ملايين لاجئ سوري في بلاده، بينما يتطلّع إلى رفع العُقوبات المفروضة على بلاده من قِبَل أمريكا وأوروبا (غير مُباشرة) وتحسين العُلاقات معهما بما يُخرِج الاقتصاد التركي من أزماته مع اقتِراب الانتِخابات البرلمانيّة والرئاسيّة بعد عام.
فتيل الحرب الأوكرانيّة أشعلته السّياسات الأمريكيّة بتوسيع حلف الناتو وتمدّده شرقًا والآن شمالًا ومُحاصرة روسيا بمنظومات الصواريخ الباليستيّة والنوويّة، وبما يُهَدِّد أمنها، وضم السويد وفنلندا يأتي تكريسًا لهذه السّياسة، وتصعيدًا للحرب، ولا نعتقد في هذه الصّحيفة أن الرئيس بوتين سيُواجه هذا “الابتِزاز” دون رَدٍّ بغضّ النّظر عن طبيعته.. واللُه أعلم.
“راي اليوم”
Views: 4