هل تمّ تجاوز الخلافات بين السعوديّة والإمارات من ناحية وتركيا من الناحية الأخرى مثلما أكّد أردوغان؟ وهل كانت خلافات داخل “الأسرة الواحدة” فعلًا؟ ولماذا بقيت مِصر وسورية خارج هذه “الأسرة” وما مدى “صحّة” هذا الطّرح؟
ففي الوقت الذي يؤكّد فيه أن لبلاده قواسم مُشتركة مع كُل من السعوديّة والإمارات، ويُعلن أن خِلافاته معهما قد تمّ تجاوزها، لا يتطرّق مُطلقًا إلى عُلاقات بلاده مع مِصر الحليف الأكبر للبلدين، ويُنفّذ مُخطّطات لتوطين مِليون لاجئ سوري في مخيّمات أُقيمت في مناطق خارج سيطرة السّلطات السوريّة، ودُون التّنسيق معها في شِمال البلاد، ليس حُبًّا فيهم، ومن مُنطلق العَطف عليهم، وإنّما لأسبابٍ انتخابيّة محضة، ومُحاولة يائسة لتخفيف انتقادات المُعارضة التي تُريد عودة حواليّ خمسة ملايين سوري في تركيا إلى بلادهم بعد أن تحوّلوا إلى عبء على الدّولة المُضيفة المأزومة اقتصاديًّا.
الرئيس أردوغان وخلال مُشاركته في فعاليّةٍ شبابيّة بمُناسبة عيد الشباب والرياضة وإحياء ذكرى مصطفى أتاتورك قلّل من شأن خلافات بلاده مع السعوديّة والإمارات مُؤكّدًا “أنها خلافات داخل الأسرة الواحدة وجرى وضع خطط مُشتركة لتطويرٍ سريع للعُلاقات الثنائيّة في مجالات التجارة والصناعة والصناعات الدفاعيّة والسياحة”، ولكن من يعود إلى الخطاب السياسي التركي لحُكومته أثناء تأزّم العلاقات يجد صُورةً مُغايرةً كليًّا لمُفردات هذا الخِطاب التّصالحي الجديد، “الأسرة الواحدة” في مفهوم الرئيس أردوغان لا تضم إلا الدول العربيّة الخليجيّة الغنيّة فقط، أمّا الأخرى التي لا تملك نفطًا وغازًا، لا تظل خارج هذا المفهوم فقط، وإنّما هدفًا للضّربات وعمليّات زعزعة الأمن والاستقرار والتّفتيت، وسورية أبرز الأمثلة.
فإذا كان الرئيس أردوغان يُهَدِّد بعرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو بحُكم عُضويّته فيه، ويشترط مُوافقته بضرورة تسليم ما يقرب من الثلاثين مُعارضًا من أنصار حزب العمال الكردستاتي التركي، ووقف أنشطة أنصار الحزب في البلدين، فلماذا يدعم المُعارضة في سورية وبدعمها بالمال والسّلاح، وتحتل قوّاته جُزءًا من أراضيها، وهو ما لم تفعله السويد وفنلندا مُطلقًا.
ومن هُنا لم نُفاجأ بالبيان شديد اللهجة الذي أصدرته وزارة الخارجيّة السوريّة وأدان بقُوّةٍ أمس مُخطّطات الحُكومة التركيّة بإنشاء “مِنطقة آمنة” في شِمال سورية “باعتبارها هدفًا استعماريًّا، وإنشاء بُؤر مُتفجّرة تُساعد بشَكلٍ أساسيّ على تنفيذ المُخطّطات الإرهابيّة المُوجّهة إلى الشعب السوري”.
نحن في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” مع إعادة العُلاقات العربيّة التركيّة وتقويتها، لأنّ تركيا تظل “دولة إسلاميّة” تربطنا بها العقيدة الواحدة، وصِلات الجِوار وقيمها ، ولكنّ على السّلطات التركيّة الحاكمة حاليًّا أن تبدأ بإصلاح العلاقات مع الجار السوري الأقرب، وتُنهي احتِلالها لأراضيه، وتدعم المُصالحة الوطنيّة بين أبناء الشعب الواحد على أسس العدالة والمُساواة وأرضيّة الحِفاظ على وحدة التّراب الوطني، وعدم التدخّل بأشكاله كافّة في شُؤون هذا الجار الداخليّة.
الرئيس أردوغان بانخِراطه في المشروع الأمريكي لاحتلال سورية وتفتيتها انتهك علاقات الصّداقة والجوار، مثلما انتهك مُعاهدة أضنة عام 1998 التي تُنظّم العلاقة بين البلدين والحِفاظ على أمنهما واستقرارهما، والعودة إلى هذه المُعاهدة التي تُؤيّدها روسيا حليفة البلدين هو الخِيار الأمثل للرئيس أردوغان إذا كان حريصًا على البيت العربي التركي الواحد “والأسرة الواحدة”.
“رأي اليوم”
Views: 8