ما هي العروض “السرية” التي حملها لافروف الى نظرائه في “قمة” الرياض المفاجئة؟ ولماذا نعتبر زيارته للرياض ضربه إستباقية لجولة بايدن المقبلة في المنطقة؟ ولماذا نرجح فُرص النجاح للدبلوماسية الروسية “النشطة” في الشرق الاوسط؟
لقاء سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي اليوم الأربعاء في العاصمة السعودية الرياض التي وصل اليها في زيارة مفاجئة لم تكن مدرجة مسبقا على جدول الأعمال، تعكس ضربة استباقية روسية سياسية واقتصادية للزيارة التي يخطط الرئيس الأمريكي جو بايدن للقيام بها ربما منتصف هذا الشهر الى المنطقة، ولقاء الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في تنازل مهين من قبله، والرضوخ بالتالي لمعظم شروطه ومطالبه، ودون وجود أي ضمانات مسبقة بقبولها.
وزير الخارجية الروسي اختار توقيت هذا اللقاء بعناية فائقة، فهو يُعقد قبل يوم واحد من اجتماع وزراء نفط منظمة “أوبك” في فيينا لبحث مراجعة واحتمال تجديد اتفاق “اوبك بلس” وهو الاتفاق الذي أدى الى ارتفاع أسعار النفط حتى قبل وصولها الى ارقام قياسية بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات الامريكية على الغاز والنفط الروسيين (سعر برميل النفط يحوم حاليا حول 120 دولارا).
وعندما نقول ان هذه الزيارة للافروف مهندس السياسة الخارجية الروسية، وموضع ثقة رئيسه فلاديمير بوتين، جاءت ضربة استباقية، فإننا نعني بذلك محاولة تعزيز “صمود” دول الخليج في مواجهة الضغوط والاستجداءات الامريكية بزيادة كبيرة في انتاج النفط من اجل تخفيض أسعاره، لان استمرار ارتفاعها بات يشكل تهديدا للاقتصاديات الغربية، وربما تفجير احتجاجات داخلية، خاصة في أمريكا حيث بدأت أصوات التذمر تتعالى ضد بايدن بسبب ارتفاعها (البنزين) بأرقام غير مسبوقة الامر الذي قد يدفع ثمنه الرئيس الأمريكي وحزبه الديمقراطي في الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل على شكل خسارة كبيرة في الكونغرس.
فرص نجاح الدبلوماسية الروسية في اقناع دول الخليج بالتمسك بإتفاق “اوبك بلس” وعدم الرضوخ للضغوط الامريكية بزيادة الإنتاج تبدو كبيرة، لان ثقة هذه الدول بالإدارة الامريكية تتراجع بشكل سريع، مضافا الى ذلك ان تطورات الأوضاع في أوكرانيا عسكريا تصب في مصلحة الروس حتى الآن على الأقل بعد دخول هذه الحرب شهرها الخامس.
عدم تدخل أمريكا عسكريا، وبشكل مباشر (ارسال جنود وحاملات طائرات وغواصات) الى أوكرانيا، والفشل في منع الاجتياح الروسي لها، وتعثر العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب الخلاف الأوروبي حول معظمها، وخاصة وقف استيراد الغاز والنفط الروسيين، كلها عوامل جعلت حكومات الخليج تفقد الامل في الحليف الأمريكي وقدرته على حمايتها، ووجدت في روسيا والصين البديل المناسب.
لا نعرف ما هي العروض “السرية” التي يحملها لافروف في حقيبته وسيكشف عنها في اللقاءات المغلقة مع نظرائه في دول الخليج سواء التي التقاهم في “قمة” الرياض، او اثناء جولته في معظم عواصم المنطقة، ويمكن ان نتكهن بتحسين علاقاتها وتبديد مخاوفها مع ايران، والتوسط لإيجاد حل دائم ينهي الحرب اليمنية، فروسيا تقيم علاقات جيدة مع جميع الأطراف اليمنية الى جانب كل من ايران والعراق وسورية وحزب الله في لبنان.
الزمن الأمريكي في الهيمنة على منطقة الخليج ونفطها يقترب من نهايته بعد حوالي بدايتها، ولا نستبعد ان تكون زيارة لافروف الحالية للرياض ربما تكون بداية العصر الروسي ليس في الخليج فقط وانما في منطقة الشرق الأوسط أيضا، وعلينا ان نتذكر ان مصر من اكبر الداعمين لهذا التغيير، وفتح القنوات مع موسكو، وان لافروف قام بزيارتين واحدة للجزائر والثانية لمسقط والمنامة، قبل ان يتوجه الى الرياض.
أمريكا تراقب هذه الحركة الدبلوماسية الروسية النشطة والذكية بعناية فائقة، وتعض أصابع الندم على اتباع سياسات تتسم بالغطرسة والغرور و”الحرد” والاستمرار في رؤية المنطقة من العين الإسرائيلية فقط، ولا نعتقد ان هناك فرصة “لترميم” هذه الأخطاء، واعادة العلاقات التي صورتها “التحالفية” القوية السابقة، فما قبل حرب أوكرانيا يختلف كثيرا عن ما بعدها.. والله اعلم.
“راي اليوم”
Views: 2