“الموساد” يغتال عالمين إيرانيين جديدين أحدهما نووي والثاني في قِطاع الصّواريخ مُستَخدِمًا السُّموم هذه المرّة.. فمتى يكون الرّد الانتقامي وأين؟ ولماذا باتت مصداقيّة التّهديدات الإيرانيّة بالرّد على المِحَكْ في نظر الخُصوم؟ ولماذا يعتقد الكثيرون أنّ من انتصر في حرب النّاقلات سينتصر في حرب الاغتِيالات وكيف؟
عبد الباري عطوان
يبدو أن “السيّاح” الإسرائيليين لن يجدوا مكانًا آمنًا في الأيّام والأشهر المُقبلة لقضاء إجازاتهم بسبب التّهديدات الإيرانيّة باغتِيالهم كرَدٍّ على قِيام عُملاء جهاز “الموساد” الإسرائيلي باغتيال العديد من العُلماء الإيرانيين بطُرقٍ استفزازيّة كان أبرزهم العقيد صياد حدائي المسؤول عن العمليّات الخارجيّة في الحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل أمام منزله في طِهران.
قبل يومين طالبت سُلطات الاحتلال الإسرائيلي جميع “مُواطنيها” مُغادرة الأراضي التركيّة فورًا لأنّ حياتهم في خطرٍ داهم بسبب وجود معلومات “مُؤكّدة” عن مخطّطات إيرانيّة لاستهدافهم، وقال يائير لبيد وزير الخارجيّة الإسرائيلي “إن حُكومته تمكّنت، وبمُساعدة نظيرتها التركيّة، في الأسابيع القليلة الماضية من منع وقوع حوادث إرهابيّة، بِما في ذلك خطف وقتل مُواطنين إسرائيليين”، وأضاف “إذا كُنت قد خطّطت لرحلةٍ إلى إسطنبول بادَر فورًا بإلغائها فلا تُوجد رحلة تستحقّ حياتك وحياة أحبّائك”، وتُعتبر تركيا الوجهة المُفضّلة لمِئات الآلاف من السيّاح الإسرائيليين لشُعورهم بالأمان فيها.
السّلطات الإيرانيّة باتت تشعر بحَرجٍ كبير أمام مُواطنيها في ظِل تصاعد عمليّات الاغتيال لعُلمائها وبعض قيادات الصّف الثاني في الحرس الثوري، لأنّ هذه الاغتيالات لا تُشَكِّل اختراقًا للأمن الإيرانيّ فقط، وإنّما غياب الرّد الانتقامي للثّأر لهؤلاء الضّحايا، خاصَّةً أن مُعظم عمليّات الاغتيال الإسرائيليّة هذه تتم على الأراضي الإيرانيّة، وفي مُدُنٍ رئيسيّة أبرزها العاصمة طِهران.
نجاح المُخابرات الاسرائيليّة في تصفية عالمين إيرانيين بارزين بدَسّ السُّم في طعامهما قبل أيّامٍ معدودة، الأوّل الدكتور أيوب انتصاري خبير الصّواريخ، ومكران أغامولاي عالم الذرّة الذي قيل إنه كان يعمل في مؤسّسة نطنز النوويّة، لعلّ هذا النّجاح يكون عُود الثّقاب الذي سيُشعِل حرب اغتيالات ربّما تكون الأشرس من نوعها بين العدوّين اللّدودين، أيّ “إسرائيل” وإيران في الفترةِ المُقبلة.
***
وسائل الإعلام الإسرائيليّة تتحدّث عن وجود مئة شخصيّة إسرائيليّة موضوعة على قائمة الاستهداف الإيرانيّة، وأن هُناك مُخَطَّطًا إيرانيًّا لتصفية مُعظم هؤلاء، أو جميعهم من خِلال خلايا استخباريّة إيرانيّة مُنتشرة في مُعظم عواصم العالم.
إيران خرجت مُنتصرة من حرب السّفن واستطاعت تلقين الأمريكيين درسًا بإساقطها طائرة “غلوبال هوك” المُسيّرة العملاقة والأكثر تَطَوُّرًا في سِلاح الجوّ الأمريكي التي كانت على ارتفاع عشرين كيلومترًا عندما انتهكت المِياه الإقليميّة الإيرانيّة قُرب مضيق هرمز، وهُناك اتّهامات إسرائيليّة بوقوفها خلف تفجير السّفارة الإسرائيليّة في العاصمة الأرجنتينيّة بوينس آيريس، ومُساواتها بالأرض ومقتل العشرات فيها، ولكن يعتقد كثيرون، داخل إيران وخارجها، أنها لن تستطع منع الاختراقات الإسرائيليّة الأمنيّة بعُمقها الجُغرافي، وحماية كِبار عُلمائها بالتّالي، علاوةً على أنها لن تُنَفِّذ أيّ عمليّات اغتيال لمسؤولين أو عُلماء إسرائيليين كبارًا في العُمُق الإسرائيلي، والرّد على الغارات الإسرائيليّة التي تستهدف الخُبراء والقوّات الإيرانيّة في الأراضي السوريّة، ومُعظم هؤلاء النقّاد من خُصومها الإيرانيين، أو من قِبَل مُواطني دول خليجيّة على وسائل التواصل الاجتماعي بتَحريضٍ من حُكوماتهم.
لا نُجادل مُطلقًا في أنّ إسرائيل تعيش حاليًّا حالةً من الرّعب والقلق غير مسبوقين داخليًّا وخارجيًّا، ففي الدّاخل هُناك انتفاضة فِلسطينيّة مُسلّحة تتزايد عمليّات مُقاومتها يومًا بعد يوم، خاصَّةً في الضفّة الغربيّة، أمّا في الخارج تُحيط بها الصّواريخ الدّقيقة من كُل الاتّجاهات، سواءً في جنوب لبنان، أو قِطاع غزّة، أو جنوب غرب سورية، ومن غير المُستَبعد أن تُشَكِّل مُحاولاتها المُتسارعة لسرقة الغاز اللبناني في شرق المتوسّط، ومنع استخراجه في قِطاع غزّة وسورية، المُفَجِّر لإشعال فتيل حربٍ إقليميّة، وليس عمليّات اغتيال فقط، لأنّ الرَّد هو الخِيار الوحيد أمام القِيادة الإيرانيّة لتكريس هيبتها وزعامتها الإقليميّة.
سُكوت إيران على عمليّات الاغتيال المُستمرّة والمُتصاعدة هذه التي تستهدف عُلمائها وغياب الرّد القويّ والسّريع عليها بات يُثير الإحباط في أوساط حواضنها الشعبيّة داخِل إيران وخارجها، ويُقَلِّل من مصداقيّة تهديداتها بالرّد، وازالة إسرائيل من الخريطة حسب آراء الكثيرين في وسائل التواصل الاجتماعي، هذا ما يدفع العديد من المُراقبين والمُحلّلين السّياسيين إلى بلورة قناعة راسخة بأنّ الرّد على هذه الاعتِداءات الإسرائيليّة بات حتميًّا، والمسألة مسألة وقت وتوقيت فقط.
مثلما ردّت إيران على احتجاز اليونان لإحدى ناقلاتها في البحر المتوسّط، باحتجاز ناقلتين يونانيتين وهاجمت سفينة إسرائيليّة في بحر عُمان بالمُسيرّات انتقامًا للاعتِداء على إحدى سُفنها في البحر الأحمر، فإنّ احتِمالات إقدامها على حملة اغتِيالات ضدّ شخصيّات إسرائيليّة داخِل فِلسطين المحتلّة، أو في السّفارات الإسرائيليّة في الخارج تبدو كبيرةً جدًّا، وهذا ما يُفَسِّر إعلان حالة الطّوارئ القُصوى في هذه السّفارات مُنذ أُسبوعين على الأقل.
القيادة الإسرائيليّة كانت البادئة في عمليّات الإغتيال هذه، ولا نستبعد، وبحُكم الخبرة الإيرانيّة، أن تكون قد أثارت هذه القِيادة عشّ دبابير من النّوع السَّام جدًّا على نفسها، وقد تدفع ثمنًا غاليًا، بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، في حرب اغتيالات أو حرب صواريخ، بالإنابة أو بالمُباشرة.. والأيّام بيننا.
Views: 8