هل تنازلت فنلندا والسويد لاردوغان ورضخت لشروطه لرفع “الفيتو” التركي على انضمامهما لحلف الناتو؟ وكيف سيكون الرد الروسي؟ ولماذا سارع البيت الأبيض الى التوضيح؟
احتفلت الصحف التركية الموالية لحزب العدالة والتنمية بإبرام حكومة الرئيس رجب طيب اردوغان اتفاقا مع كل من فنلندا والسويد أدى الى رفع “الفيتو” التركي عن انضمامهما لعضوية حلف الناتو، واعتبرته انتصارا كبيرا انتزع مكاسب ملموسة من البلدين والغرب في الحرب ضد الإرهاب، بينما التزمت الصحف المستقلة التابعة للمعارضة الصمت ولم تعلق عليه الصحف المستقلة، وادانته روسيا التي تعارض أي توسع لحلف الناتو.
سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قال “ان بلاده تنظر الى خطط انضمام السويد وفنلندا وتوسيع حلف الناتو بشكل عام عدم استقرار، ولن يضيف أمنا لمن يوسعونه، ولا لمن ينضمون اليه، ولا للدول الأخرى التي تعتبر الحلف تهديدا”، ولهذا لا نعتقد ان روسيا ستنظر بعين الرضا الى رفع تركيا “الفيتو” الذي اشهرته لمنع هذا الانضمام قبل انعقاد قمة حلف الناتو في مدريد التي اختتمت اعمالها اليوم الأربعاء.
الحكومة التركية تقدمت بالعديد من المطالب الى الحكومتين الفنلندية والسويدية، بوقف دعم حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية التي تقول انها فرع له في سورية، باعتبارها حركة إرهابية، وتسليم 33 عضوا تابعين لهما في السويد بينهم نواب في البرلمان، ولكن كل ما حصلت عليه تركيا هو تعهد من الدولتين بعدم دعم الجماعات الإرهابية المعارضة لتركيا، أي حزب العمال، وشبكة فتح الله غولن، الذي تتهمه انقرة بالوقوف خلف الانقلاب العسكري عام 2016، ولا إشارة مطلقا لتسليم الدولتين أي متهم بالإرهاب تجاوبا مع المطالب التركية.
وما زاد الطين بله بالنسبة الى الرئيس اردوغان تأكيد متحدث باسم البيت الأبيض اليوم انه لم يقدم أي تنازلات لتركيا لضمان إعطائها الضوء الأخضر لانضمام البلدين لحلف الناتو، او رفع الحظر عن بيع طائرات من طراز “اف 16” لتركيا، ووقف مشاركتها في مشروع انتاج طائرة الشبح الامريكية “اف 35” بعد شرائها (تركيا) منظومات صواريخ “اس 400” الروسية.
الرئيس اردوغان يعرف كيف يستخدم أوراقه لتحقيق مطالبه السياسية والعسكرية والاقتصادية، وينتهج سياسة تقوم على أساس نظرية التوازن باللعب على كل الحبال، وبدا بطلا في عيون الكثيرين من أنصاره عندما اشهر سيف “الفيتو” في وجه السويد وفنلندا وعرقل انضمامهما الى حلف شمال الاطلنطي، ولكنها خطوة لم تدم الا بضعة أسابيع، وسرعان ما تراجع عنها تجاوبا مع ضغوط أوروبية وامريكية وصلت الى درجة التهديد بإبعاد تركيا من الحلف، وقبل بتنازلات من البلدين ولعل تصريح وزير العدل التركي بكر بوزادج الذي ادلى به اليوم الأربعاء وقال فيه “ان حكومته ستجدد طلبات كانت قدمتها للسويد وفنلندا لتسليم 33 شخصا تعتبره إرهابيين”، مما يعني ان تسليم هؤلاء لتركيا لم يكن مدرجا في الاتفاق الثلاثي هو تأكيد على ما نقول.
من يعرف الأوروبيين وسياساتهم يدرك جيدا انهم قد ينحنون امام العاصفة، ولكنهم أصحاب نفس طويل، خاصة مع حلفائهم الذين ينقلبون عليهم، ويعرفون نقاط ضعفهم، لهذا كان ردهم قويا على استخدام الرئيس اردوغان اللاجئين كورق ضغط على أوروبا بتقليص التعاون الاقتصادي مع تركيا وضرب عملتها الوطنية (الليرة) تحت الحزام، والشيء نفسه يقال أيضا عن رد أمريكا على اعتقال تركيا للقس برونسون، ومن غير المستبعد ان يتكرر الرد نفسه، عندما يتم عرض طلب الحكومة التركية بشراء صفقة طائرات “اف 16” الى الكونغرس للموافقة، حيث يرى هذا الكونغرس او معظم أعضائه “الفيتو” التركي على انضمام فنلندا والسويد “خطوة ابتزازية” مع الاخذ في الاعتبار في الوقت نفسه ان اللوبي الأرمني المعارض لتركيا قوي جدا في الكونغرس، ولا يقل قوة عن اللوبي اليهودي الذي أراد اردوغان تحييده بإعادة العلاقات مع إسرائيل، ان لم يكن اقوى.
الرئيس اردوغان سياسي محترف نجح في البقاء في الحكم 20 عاما تقريبا، ولكن سياساته الحالية بدأت تعطي نتائج عكسية في نظر العديد من المحليين الاتراك والأوروبيين، لأنه لم يستوعب المتغيرات على الساحة العالمية، وخاصة بعد حرب أوكرانيا، وما زال يحاول ان يجلس على كرسيين في الوقت نفسه، واللعب على كل الحبال لحفظ التوازن، واتباع نهج حيادي “غير مقنع” على امل إقامة علاقات متوازنة خاصة بين روسيا والغرب، عبر عرض خدماته كوسيط محايد في ازمة اوكرانيا، ويبدو انه قد يخسر الجانبين، فالتصعيد في التهديد يتبعه دائما التسريع في التراجع والتنازل، واسألوا مصر والسعودية والامارات.. والله اعلم.
“راي اليوم”
Views: 6