د . تركي صقر – رئيس التحرير
هذا الشتاء لن يكون كسابقاته على الأوروبيين، فنقص مواد الطاقة من نفط وغاز الذي سببته الحرب في أوكرانيا سيؤثر في حياة الناس في القارة العجوز وهم على أبواب شتاء أوروبي قارس لا يرحم .
لقد أدت التبعية وانقياد الحكومات الأوروبية الأعمى للسياسة الأمريكية فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية وفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا لإرضاء البيت الأبيض إلى الوصول إلى حالة جعلت روسيا تقطع إمدادات الطاقة بشكل كامل عن الدول الأوروبية التي يعتمد بعضها على أكثر من %80 من حاجاته على الغاز الروسي.
لقد عاشت أوروبا عقدين من الزمن على الأقل على مصادر الطاقة الروسية وبأسعار رخيصة وهذا الوفر في أسعار الطاقة انعكس رفاهية وازدهاراً وبحبوحة عيش على شعوب القارة الأوروبية كلها ولم يكن المواطن الاوروبي يحسب حساباً لا للكهرباء ولا للغاز أو النفط وكانت السلع بمختلف أنواعها وأشكالها متوافرة وبأسعار تناسب جميع أصحاب الدخل هناك وكان كثير من البشر خارج أوروبا يتمنون الهجرة والعيش في إحدى الدول الأوروبية حتى كان بعضهم يصف أوروبا بأنها” جنة الله “على الأرض إلى أن وقعت الحرب في أوكرانيا وارتكبت الحكومات الأوروبية أخطاء جسيمة ومواقف منحازة للموقف الأمريكي دون أي حساب لمصالح شعوب بلدانها .
ومن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها مسارعتها بل وتسرعها لفرض العقوبات القاسية في حدها الأقصى على روسيا ونشر حالة من الكراهية ضد الشعب الروسي إلى درجة وصول الأمور إلى حد الهستريا ضد كل ما هو روسي تحت زعم “مناصرة الحرية “في أوكرانيا ومؤخراً قاموا باتخاذ قرار عنصري حاقد يمنع منح تأشيرات دخول للمواطنين الروس إلى أراضي أي دولة أوروبية وجروا دولاً عدة إلى الناتو لتكون معادية لروسيا. فهل كانت الحكومات الأوروبية الخانعة لواشنطن تنتظر أن تبقى روسيا تتفرج ولاتحرك ساكناً؟ لقد دفعوا روسيا دفعاً وكما أشار الوزير لافروف إلى أن تتخذ بلاده موقف العين بالعين والسن بالسن وأن يكون هناك قرار بقطع الغاز الروسي بشكل كامل عن الدول الأوروبية غير الصديقة لموسكو .
مع قطع الغاز والنفط الروسي ستجد الدول الأوروبية نفسها عاجزة عن إيجاد البديل في فترة قريبة قادمة ووعود واشنطن بتأمين البديل لا تزال حبراً على ورق وإذا وجدت الدول الأوروبية البدائل فستكون بأسعار مضاعفة لأسعار الطاقة الروسية ولهذا السبب تضاعفت أسعار السلع وبات شبح الغلاء الشديد يخيم على معظم أوروبا وزاد التضخم أكثر مما كان عليه خلال سنوات الحربين العالميتين الأولى والثانية في معظم الدول الأوروبية ما يعني أن أكثرية الدول الأوروبية هجرت البحبوحة التي كانت تفاخر بها دول العالم وإلى أمد بعيد .
Views: 8