ما مدى صحّة اتّهامات تركيا لأمريكا بالوقوف خلف تفجير إسطنبول الإرهابي؟ ولماذا رفض وزير داخليّتها تلقّي تعازي سفارتها؟ وكيف سيتم الرّد على هذه التّهديدات الإرهابيّة التي يخشى الأتراك تِكرارها مع اقتِراب الانتخابات؟ هل بتسريع اللّقاء بين الأسد وأردوغان وفتح حِوارٍ جدّيّ مع حزب الشّعوب الديمقراطي الكردي؟
أعادت السّلطات التركيّة فتْح شارع الاستِقلال المُتفرّع عن ميدان تقسيم الشّهير الذي شهد تفجيرًا إرهابيًّا أدّى إلى مقتل ستّة أشخاص وإصابة أكثر من ثمانين آخرين بجُروحٍ بعضها خطيرة جدًّا، ولكنّ حالة القلق التي تسود تركيا ما زالت في ذروتها تخوّفًا من احتِمالِ تَزايُد هذه التّفجيرات مع بدء العد التنازليّ للانتِخابات المُزدوجة، الرئاسيّة والبرلمانيّة في شهر حزيران (يونيو) المُقبل.
السيّد سليمان صويلو وزير الداخليّة، والرّجل القويّ الذي تُرشّحه أوساط عديدة بخِلافة الرئيس أردوغان أعلن أن أحلام البشير التي جرى اعتِقالها بتُهمة وضع الحقيبة الملغومة تحت أحد المقاعد في الشّارع المذكور نفّذت الجريمة تنفيذًا لتعليماتٍ صدرت إليها من كوباني، تنتمي إلى حزب العمّال الكردستاني وذراعه السّوري وحدات الحماية الشعبيّة، وأنها اعترفت بالجريمة، وجرى العُثور في الشقّة التي كانت تُقيم فيها على مُسدّس وحُزمة من أوراقٍ ماليّة (اليورو).
حزب العمّال الكردستاني نفى هذه الاتّهامات وأكّد أنه لا يقوم بعمليّاتٍ ضدّ مدنيين لا بطَريقةٍ مُباشرة ولا غير مُباشرة، ولكن من الواضح أن الاتّفاق الذي توصّل إليه مع السّلطات التركيّة بوقفِ إطلاقِ النّار يقترب من نهايته، إن لم يكن قد انتهى فِعليًّا.
أصحاب نظريّة المُؤامرة، وما أكثرهم شكّكوا بالرّواية الرسميّة، وقالوا إنّ الفتاة المُعتَقلة سمراء داكنة ولا تحمل الملامح الكُرديّة، وجرى نشر صُورتين لها، الأولى ظهرت فيها بيضاء، والثانية سمراء، وذهب البعض إلى أكثر من ذلك بالقول إنها تبدو مُختلّةً عقليًّا، وفسّروا وجود كميّة من عُملة اليورو في شقّتها ربما يكون عائد إلى رغبتها في الهِجرة، ولكنّ السّلطات التركيّة سخرت من هذه الأقوال، وأكّدت أنها اعترفت بدورها في التّفجير وجرى اعتِقال 42 شخصًا كانوا مُتورّطين في تنفيذ الجريمة.
ad
اللّافت أن السيّد صويلو ألمح إلى احتِمال تورّط الولايات المتحدة في الهُجوم، وأكّد رفضه تلقّي رسالة التّعزية التي أرسلتها السّفارة الأمريكيّة بضحايا التّفجير وشبّه أمريكا في تَصريحٍ لوكالة “رويترز” العالميّة بالقاتل الذي يمشي في جنازة ضحيّته، وقال “إن أنقرة تثق بوقوف حزب العمّال الكردستاني وكذلك وحدة حماية الشعب وراء الانفِجار، والأخيرة المُتواجدة في شِمال سورية تحظى بدعم الولايات المتحدة ماليًّا وتسليحيًّا.
الأمر المُؤكّد أن هذا التفجير الإجرامي الذي استهدف أحد أبرز معالم العاصمة التجاريّة إسطنبول سيُؤثّر بطَريقةٍ أو بأُخرى على السّياحة الداخليّة والخارجيّة التي تُعتَبر أبرز وسائل الدّخل للميزانيّة التركيّة، وربّما لهذا السّبب تمّ اختِيار ميدان التّقسيم الشّهير هدفًا، وفي مِثل هذا التّوقيت، فالإحصاءات التركيّة أفادت بأنّ قِطاع السّياحة بدأ يتعافى في تركيا بعد انتهاء أزمة الكورونا تقريبًا، وبلغ الدّخل السّياحي عام 2021 حواليّ 25 مِليار دولار بالمُقارنة بـ 34.5 مليار دولار عام 2019 أيّ قبل انتِشار الفيروس.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هو عن الإجراءات الأمنيّة والسياسيّة التي ستُقدِم عليها حُكومة أردوغان للحِفاظ على الأمن وتجنيب البِلاد تِكرار مِثل هذه العمليّات الإرهابيّة؟
لا نعتقد أنّ إزالة المقاعد من شارع الاستقلال المُستَهدف من قبل قوّات الأمن كافيًا، فجُذور هذا الإرهاب سياسيّة أكثر منها أمنيّة، فإنّ صحّ الاتّهام بأنّ المُنفّذة تحمل الجنسيّة السوريّة، وهو يبدو صحيحًا حسب بيانات الحُكومة، فإنّ هذا يُشير إلى موطن الأزمة الحقيقي، أيّ الوجود التركي العسكري في شِمال سورية، واحتِلال بعض المُدُن ودعم الجماعات المُتطرّفة المُسلّحة فيها، مُضافًا إلى ذلك اعتِقال بعض قِيادات وأعضاء برلمانيين لحزب الشعوب الديمقراطي المُقرّب من الجناح العسكري لحزب العمّال الكردستاني.
بالنّسبة للمسألة الأولى، أيّ التواجد العسكري التركي في شِمال سورية ودعم الجماعات المُسلّحة هُناك، فهُناك اتّصالات تركيّة رسميّة على مُستوى قادة الأمن مع الحُكومة السوريّة، ولكنّها اتّصالات بطيئة جدًّا، ولم تُحَقِّق ما كان مُنتَظرًا منها، أيّ الانتقال إلى اللّقاءات السياسيّة وعلى أعلى مُستوى، بين الرّئيسيين السوري والتركي.
أمّا على صعيدِ الوضع الداخليّ، فإنّ استِطلاعات الرّأي تُؤكّد مُعظمها أن تكتّل المُعارضة المُكوّن من ستّة أحزاب بقيادة حزب الشعب الجُمهوري، يتقدّم من حيث الشعبيّة، وأن مُرشّحه المُحتمل أكرم إمام أوغلو رئيس بلديّة إسطنبول قد يتفوّق على الرئيس أردوغان في الانتِخابات الرئاسيّة المُقبلة، ولعلّ فتح الرئيس أردوغان حِوارًا مع حزب الشّعوب الدّيمقراطي، والسّماح لرئيسه السّابق صلاح الدين طمروش بزيارة والده المريض في ديار بكر، والإفراج عن نائبةٍ مُعتقلة تابعة للحزب لأسبابٍ مرضيّة أحد المُؤشّرات على استِدارةٍ أردوغانيّةٍ داخليّةٍ مُهمّة.
للمرّة الألف نقول إن الولايات المتحدة هي الرّاعي الأكبر للإرهاب ليس في سورية والعِراق وليبيا واليمن، وإنّما في تركيا أيضًا، واتّهام السيّد صويلو لها بالتورّط بطريقةٍ مُباشرة أو غير مُباشرة في تفجيرِ إسطنبول كانَ صائبًا، وكُنّا نتمنّى في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” لو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يقع في هذه المِصيَدة الأمريكيّة وتبنّى الإرهاب الأمريكي في سورية، ولكن ما زالت هُناك فُرصة لإصلاح هذا الخطأ.
اتّفاق أضنة عام 1998 الذي اقترحه الرئيس فلاديمير بوتين كأرضيّةٍ لعودة العلاقات السوريّة التركيّة وتحقيق الأمن للبلدين والكِفاح المُشتَرك للإرهاب هو الحل، ولا نستبعد أن يكون مفتاح أساسي لعودة العلاقات بين البلدين أو هكذا نأمَل.
“رأي اليوم”
Views: 10