وهل تُخطّط لاغتِيالاتٍ لقادة وكوادر حركة “حماس”؟ وما هي الرّسالة الإسرائيليّة للرئيس أردوغان؟
بعد تطبيع العلاقات التركيّة- الإسرائيليّة، وتقاطر المسؤولين الإسرائيليين إلى أنقرة في زياراتٍ رسميّةٍ تلقّوا خِلالها استقبالات حافلة وسجّاد أحمر، من قبل السّلطات التركيّة، وعلى أعلى المُستويات، من المُفترض أن تنعكس هذه “الحميميّة” بشَكلٍ إيجابيٍّ على أكثر من صعيد وخاصَّةً في تركيا الدّولة المُسلمة، ولكن ما يجري على أرض الواقع جاء مُختَلِفًا كُلّيًّا.
حتّى لا نغرق في العُموميّات، والتّخمينات، نستند في هذا الصّدد إلى ما ذكرته السّلطات الأمنيّة التركيّة أمس الأربعاء عن إلقائها القبص على 44 شخصًا قالت إنّهم جرى تجنديهم من قِبَل جهاز الاستِخبارات الإسرائيلي الخارجي (الموساد) للتجسّس على أفرادٍ ومنظّمات فِلسطينيّة غير حُكوميّة تتواجد في الأراضي التركيّة، وبات مُعظم هؤلاء قيد الاعتقال، والتّحقيقات مُستَمرّة معهم، وما زال البحث جاريًا عن 13 شخصًا ما زالوا في حالة فرار.
كشف أنشطة هذه الخلايا من قِبَل أجهزة الأمن التركيّة يُعتَبر إنجازًا دُونَ أدنى شك، ولكنّنا لا نستبعد أن تكون مُجرّد قمّة جبل الجليد، وأن هُناك خلايا أُخرى ما زالت تعمل ولم يتم اكتِشافها، ففي 11 تشرين أوّل (أكتوبر) 2021، أيّ قبل عامٍ تقريبًا ألقت المُخابرات التركيّة القبض على 5 شبكات تجسّس إسرائيليّة، تتشكّل كُل واحدة منها من ثلاثة أعضاء بعد رصد استَغرقَ أكثر من عام وتحشيد أكثر من 200 رجل أمن من أجل هذا الغرض حسب صحيفة الصّباح التركيّة القريبة من “حزب العدالة والتنمية” الحاكِم.
الهدف الرّئيسي من وراء كُل هذه الاختِراقات الإسرائيليّة للأمن التركي هو التجسّس على الفِلسطينيين ومُؤسّساتهم على الأراضي التركيّة، وربّما التّخطيط لعمليّاتِ اغتيالٍ داخِل تركيا وخارجها لبعض قِيادات حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” التي تتردّد كثيرًا على أنقرة وإسطنبول بحُكم العلاقة القويّة مع الحزب الحاكِم.
السّلطات التركيّة، وبطَلبٍ من الحُكومة الإسرائيليّة قلّصت أنشطة حركة “حماس” فوق أراضيها، وأكّدت تقارير إخباريّة أنها طلبت من القادة العسكريين في حركة “حماس” بالمُغادرة، وجرى ذكر اسم صالح العاروري مسؤول الجناح العسكري للحركة في الضفّة الغربيّة والخارج، كأحد أبرز المُبعَدين.
القاعدة الذهبيّة التي يُمكن استِخلاصها من مُتابعة أعمال دولة الاحتِلال الإسرائيلي وجرائمها، أن هذا الكيان لا يحترم المَواثيق والعُهود، ولا يتورّع عن طَعنِ حُلفائه في الظّهر إذا كانَ هذا الطّعن يخدم مصالحه، فقد أقدم على مُحاولة اغتِيال السيّد خالد مشعل رئيس المكتب السّياسي لحركة “حماس” في قلب العاصمة الأردنيّة عمّان وبعد أشهرٍ معدودةٍ من توقيع اتفاقيّة وادي عربة مع السّلطات الأردنيّة، مثلما أقدم على اغتِيال الفنّان ناجي العلي في قلب مدينة لندن التي أصدرت وعد بلفور، ووقّعت اتّفاقات سايكس بيكو مع الشّريك الاستِعماري الفرنسي، وأوقفت السيّدة مارغريت تاتشر كُل أشكال التّعاون الأمني، وأبعدت 13 دِبلوماسيًّا إسرائيليًّا غضبًا من هذا الانتِهاك الفاضِح لأمنِها وسلامة عاصِمتها، ولا ننسى اغتِيال المبحوح في دبي، والأمثلة كثيرة في هذا الصّدد لا تتّسع هذه المساحة لذِكرها.
اللّافت أن السّلطات التركيّة التي كشفت عن هذه الخلايا لـ”الموساد” وأنشطتها على أراضيها، لم تُحَرّك ساكنًا، ولم تَسْتَدعِ السّفير الإسرائيلي للاحتِجاج، وهذا أقل شيء يُمكن فعله، الأمْر الذي يُثير العديد من علامات الاستِفهام.
الرّسالة التي تُريد دولة الاحتِلال الإسرائيلي إيصالها للرئيس رجب طيّب أردوغان وحُكومته من خِلال هذا الاختِراق والعبث الأمني، يقول إنها تستطيع زعزعة الأمن الدّاخلي التركي، وأظهاره أمام العالم بأنّه هش، وإن تركيا غير آمنة سواءً للمُقيمين على أرضها أو أكثر من 30 مليون سائح أجنبي يزورونها سنويًّا، ولعلّ هذه الرّسالة لا تقلّ أهميّةً وربّما خُطورةً عن عمليّة التّفجير الإرهابيّة التي استهدفت شارع الاستِقلال في ميدان “تقسيم” في قلب مدينة إسطنبول وأدّت إلى مقتل ستّة أشخاص وإصابة 80 آخَرين.
“إسرائيل” باتت على أبوابِ تشكيل حُكومة من عُتاة العُنصريين والفاشيّين برئاسة بنيامين نِتنياهو، ومن المُرجّح إسناد وزارتيّ الأمن الدّاخلي والخارجي إلى وزيرين مُتشدّدين، يُريدان قتْل العرب والمُسلمين، وضمّ الضفّة الغربيّة، وطرد أهلها منها، ممّا يعني أن رِهانَ حُكومة الرئيس أردوغان على صداقةِ هؤلاء والتّطبيع معهم قد يكون رِهانًا خاسِرًا، وربّما مُكْلِفًا أمنيًّا أيضًا.
“رأي اليوم”
Views: 4