د . تركي صقر – رئيس التحرير
خسرت الأحادية القطبية أوراقاً كثيرة في السنوات القليلة الماضية، ومع اندلاع المعارك في أوكرانيا أضحت ظاهرة القطبية الأحادية في طريقها إلى الزوال ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القطبية لها الكلمة العليا في الشأن العالمي وبدأ يزول الانفراد الأميركي بالقرار الدولي الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود متواصلة.
في هذه العقود الثلاثة الماضية كانت واشنطن الآمر الناهي لدول العالم كلها، وبدأت تتصرف منفردة على صعيد سياسات الدول حتى الداخلية منها ولا تعود إلى مجلس الأمن الدولي في أي قضايا تحتاج قراراً منه، كما حصل في غزوها العراق وأفغانستان وبمجرد إشارة من الخارجية الأمريكية كانت دول العالم تتسابق لكسب الرضا الأمريكي وزاد في سطوتها للتحكم في مصير دول العالم سقوط الاتحاد السوفييتي المنافس الأول، ما جعل الساحة الدولية بلا منافس للسياسة الأميركية.
لكن الـ(فيتو) المزدوج الذي بدأت روسيا والصين تتخذانه منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية ترك تأثيراً كبيراً على سياسية الانفراد الأمريكي وأوقف اندفاع واشنطن للسيطرة التامة على أي قرار دولي.
ومع تكرار استخدام الفيتو الروسي الصيني لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على الانفراد بالشأن الدولي وفرض إرادتها على الجميع وبرزت الدعوة لعالم متعدد الأقطاب تأخذ شكلاً ملموساً في السياسة الدولية وجاءت الحرب في أوكرانيا لتعمق هذه الظاهرة وتزيد من التحالف الصيني الروسي لمناهضة الهيمنة الأمريكية التي اضحت أضعف من السابق وحتى في طريقها إلى الزوال، ولم يعد عالم القطب الواحد سائداً أو يتحكم في مصير البشرية.
وهكذا أصبح العالم متعدد الأقطاب حقيقة ماثلة للعيان تقوده دول كبيرة وقوية كالصين والهند وروسيا والبرازيل وأزاحت احتكار الولايات المتحدة الأمريكية عن زعامة العالم ولكنها تحاول التشبث ببقائه بأي شكل من الأشكال عبر حروب هنا وهناك ومن خلال تغذية صراعات في هذه المنطقة أو تلك، ووجدت في تحريض أوكرانيا على روسيا ضالتها المنشودة وتخطط لتفجير نزاع مرير بين الصين وتايوان لتحجيم الصين ولجم سرعة تقدمها عالمياً وعلى ضوء ما ستؤول إليه الحرب في أوكرانيا سوف تحسم مسائل كثيرة ومنها زوال القطبية الأحادية وإلى الأبد
Views: 9