بقلم مدير التحرير : اوس صقر
قبض أبو العبد راتبه بعد معاناة في البحث عن صراف يعمل و بعد الوقوف مطولا على الدور ، 150 الف ليرة فهو موظف من الفئة الأولى لدى إحدى المؤسسات الحكومية ، فارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه و شعر بارتياح مشوب ببعض القلق ، و ذهب مسرعا ليشتري كيلو شرحات دجاج كي يطعم عائلته ، وقف عند البائع متسائلا عن سعر الكيلو فقال له : 47 ألف …!
أخرج المال و يداه ترتجف و دفع المبلغ ، جاءه تنبيه برسالة واردة من أم العبد تطلب فيها خضار و فواكه ..بدأ العرق يتصبب من جبينه و هو يشعر باقتراب حتف الراتب الهزيل ..ذهب بترنح إلى محل الخضار ، و اشترى الخضار الفواكه ، تبقى معه بعض النقود ، حاول الاتصال بأم العبد فتفاجأ بانتهاء رصيد هاتفه المحمول ، دخل ليشتري رصيد فدفع بقية الراتب فعلت وجهه صفرة و شحوب ، وصل أخيرا إلى المنزل و استقبلته أم العبد و أفكارهما مليئة بالهم و صارت تدور الأفكار السلبية القلقة في أذهانهما ، كيف سنكمل العيشة إلى أخر الشهر إذا بيوم واحد طار الراتب …؟
أبو العبد نموذج عن غالبية الموظفين في القطاع الحكومي ، حيث يقض مضجعهم كابوس انتهاء الراتب في أول يوم أو يومين من بداية الشهر ، و رغم مطالبة أعضاء مجلس الشعب المتكررة للحكومة لزيادة الرواتب ، و النظر في أرتفاع الأسعار الذي بات يكوي الجيوب و القلوب ، و لكن لا آذان صاغية ، متوسط الرواتب اليوم في سورية لا يتعدى 150 الف ليرة و هولا يتجاوز 17 دولار بعد ارتفاع سعر الصرف و انهيار قيمة الليرة بشكل متسارع كل يوم ، و كل حديث عن إصلاح إداري أو دوران عجلة الإنتاج بدون إصلاح الرواتب و الأجور ، هو عبث و نفخ في قربة مثقوبة ، فما الذي يحفز أو يعطي الدافع للعامل على الإنتاج و الإلتزام بالعمل غير الأجر الشهري الذي يضمن له حياة كريمة …
الأجر الشهري الذي يكفي ليوم معيشة واحد فقط ، يشرعن الفساد و يدفع الموظفين للبحث عن طرق ملتوية لتأمين لقمة العيش ، و يدفع الشباب للهجرة وبحث عن آفاق جديدة و حياة كريمة ، نعم سورية تخسر كل يوم العديد من الخبرات من أطباء و مهندسين ، بسبب العوز و الرواتب الهزيلة ..
و إذا كان مبررعدم زيادة الرواتب عند الحكومة هو كي لا يرتفع التضخم ، فهو مبرر مرفوض ، لأننا نلاحظ وجود التضخم و ارتفاعه يوميا بدون حتى زيادة الرواتب ، لا مفر لدى الحكومة من إقرار زيادة الرواتب و النظر في الوضع المعيشي للمواطنين جديا ً ، و ليس مجرد طرح شعارات فارغة بدون تطبيق ، و إلا فإننا مقبلون على أيام صعبة و انفجار اجتماعي و أحداث لا يمكن التكهن بها ..
email : ssman79@gmail.com
Views: 29