لا يبدي الباحث في سلامة الغذاء وتصنيعه، في الجامعة اللبنانية- الأميركية، الدكتور حسين حسن تفاؤلاً بمستقبل اللبنانيين الصحي. يقفز 15 سنة إلى الأمام، محذّراً من أننا سنكون في حينه أمام نتائج الصنوف المختلفة من الملوّثات والسموم التي تغزونا اليوم. يشرح أسباب تشاؤمه، وينصح بتقوية المناعة المتاحة للفقير، كما الغني
يبدأ الدكتور حسين حسن حديثه ببثّ بعض الطمأنينة «لنتفق، غذاؤنا ليس سيئاً»… ثم يستدرك: «لكن لديه تحدّيات كبيرة». وأول هذه التحدّيات غياب الفحوص المخبرية، أو تراجعها «الصناعي لم يعد يُرسل عيّنات من أجل الفحوص المخبرية إلا في حال كان يُصدّر إنتاجه. أما بعض المعامل التي تصنّع وتبيع في السوق المحلي فلا تفحص منتجاتها». الوضع كان مختلفاً قبل الأزمة الاقتصادية «كان المصنع يرسل عيّنة من كلّ طبخة لفحصها، الآن لا يبادر إلى ذلك ليخفّف التكاليف». لكنه يشير إلى وجود «معامل لديها مختبراتها الخاصة، وهي تقوم بجهود جبارة. بعض المعامل ذات التاريخ والاسم فضّلت تخفيف الإنتاج والأرباح للإبقاء على الجودة ذاتها».
في المقابل، «وُلدت معامل جديدة لتلبي القدرة الشرائية الضعيفة للناس، كما لجأ عدد من التجار إلى استيراد علامات غذائية جديدة. في السابق، كان على أيّ تاجر يستورد منتجاً معيناً أن يستحصل على شهادة للمنتج المذكور، مع ما يتطلبه ذلك من فحوصات مخبرية وشهادة تحليل. هذا كلّه متوقف حالياً».
مخاطر مؤجّلة
المشكلة برأي حسن أن الإنسان «لا يشعر بالمخاطر الكيميائية والسموم الفطرية، فهي لا تؤثر على اللون والرائحة والطعم، وآثارها لا تظهر قريباً. إنما تظهر بعد 20 إلى 30 سنة وهي أحد مسبّبات السرطان. فإذا أكلنا اليوم ما لم يسبّب لنا الإسهال والتقيؤ فهذا لا يعني أننا نجونا». على سبيل المثال «القمح، إذا لم يكن مخزّناً بشكل صحيح، وآتياً من مصادر معروفة، ومنقولاً بطرق آمنة، الله وحده يعلم ما فيه من سموم فطرية». هذه السموم كانت تُفحص في السابق «اليوم يقولون إنهم يفحصون، لكنني أشك في ذلك. لأن فريق الأبحاث الزراعية يشتكي من أنه لا يستطيع إجراء فحوص سموم فطرية. والوزارة تقول إن الفحوص تجري في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية «لاري»، في حين تقول الأخيرة إنهم لا يفحصون».
ماذا عن اللحوم؟
سلامة اللحوم تبدأ من المزرعة، وتحديداً من سلامة العلف. «إذا كان العلف تالفاً وخلطته غير صحيحة ولم يُخزّن بشكل صحيح، فستظهر السموم الفطرية الموجودة فيه في الحليب واللحم». بالانتقال إلى المسالخ «لا وجود للمراقبين فيها، إذ تُنقل اللحوم إلى الملاحم بصناديق السيارات العادية». وفي الملحمة، «هل يعلّقها اللحام مبرّدة لحين بيعها إلى المستهلك! التبريد مفقود من المسلخ وفي وسيلة النقل إلى الملحمة وداخل الملحمة ومنها إلى المستهلك الذي لا يملك الكهرباء طوال الوقت».
لذا قد يكون من حسن الحظ أن استهلاكنا للحوم خفّ كثيراً بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن «وهنا من المفيد الإشارة إلى أن كثرة تناول اللحوم الحمراء غير جيّدة للصحة. أجدادنا لم يأكلوا يومياً اللحم والدجاج، كان ذلك يحدث مرة كلّ أسبوعين. ولذلك، فلتكن الأزمة فرصة للعودة إلى العادات القديمة».
زيوت مهدرجة في اللبنة!
لكن إذا خفّف الناس من استهلاك اللحوم بسبب الأزمة الاقتصادية، فهم لا يستطيعون الاستغناء عن اللبنة مثلاً، التي يأكلها الطفل وكبير السن. وهنا أيضاً تبرز مخاوف من خلط الزيوت المهدرَجة والنشاء بالألبان «فالزيت المهدرج هو الزيت البكر الخام (زيت الزيتون وزيت دوار الشمس)، الذي يدخل إليه الهيدروجين. عندها تتحوّل الدهون غير المشبعة، الصحية، إلى دهون مُشبعة لا يعرف جسم الإنسان التعامل معها، فتتراكم في الشرايين، وهي المسبّب الأول لأمراض القلب. كما أظهرت الدراسات أخيراً أنها تسرّع من ظهور السرطانات.
اليوم هذه الزيوت المهدرجة، تضاف إلى اللبنة، لتصبح أكثر مرونة، وبات الأطفال يتعرّضون لزيوت مهدرجة مضاعفة، إضافة إلى تلك التي يتعرّضون لها من البطاطا المقلية والناغتس…».
البضاعة الفلت: أنت وحظّك!
وبخلاف قرار وزارة الزراعة الذي يمنع البيع الفلت للألبان والأجبان، «تجدها معروضة في السوبرماركت، غير معروفة المصدر، من دون علامة تجارية ومن دون تاريخ. والتجار يخلطون ما يصلهم من منتجات اليوم مع ما جاء البارحة وأنت وحظّك!».
لذلك لا يُنصح بشراء المنتجات الفلت لأنها معرّضة للتلوّث وبعيدة عن المراقبة «فالمفتشون من دون عمل بعد ارتفاع كلفة النقل، والوزارات شبه متوقّفة عن العمل، علماً أن الحديث عن سلامة الغذاء يعني الحديث عن مسؤولية عدة وزارات (الصناعة، الزراعة، الصحة، البيئة والداخلية)، وهنا نلاحظ أن الطباخين كثر وأفسدوا الطبخة ويصرّون حتى اليوم على عدم تفعيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء». لذلك أيضاً لا يمكن تقييم سلامة المنتج بناءً على السعر «لا يمكن الجزم أن الماركات المعروفة حافظت على جودتها، حتى لو أنها بالسعر نفسه الذي كان قبل الأزمة».
نحن لا نشعر بالمخاطر الكيميائية والسموم الفطرية، فآثارها تتأخر وقد تسبّب السرطان
خطر الأمراض
هذا الواقع يرسم صورة سوداوية عن المستقبل الصحي، وخصوصاً في ظلّ الحديث عن ارتفاع في إصابات السرطان، الذي يعيده حسن إلى حرب تموز 2006 «والتلوّث الذي تعرّضنا له من الانفجارات والقذائف. فبحسب نوع الجسم والاستعداد الجيني تظهر الآثار ابتداءً من 15 سنة وصعوداً. أما اليوم فالملوّثات أكثر بكثير من حرب 2006 فيمكن أن نتخيل الأرقام بعد 15 سنة! الكلّ يعلم هذا الأمر، وصنّاع القرار يعلمون، وعندما نسألهم عن جهودهم في مسألة حيوية كسلامة الغذاء لا يكترثون، وسمعتها مرة من وزير ضحك وقال: “ليك وين بالك”».
ماذا نفعل؟
يعترف حسن بصعوبة الأمر، لكنه ينصح بـ«شراء الخبز من أماكن موثوقة، فالأفران التي تصدّر الخبز يفترض أنها تفحص القمح قبل استعماله. شخصياً أرتاح للبضائع التي يجري تصديرها وأتجنّب المنتجات الفلت، لأنها معرّضة للملوّثات». كما يلفت إلى أهمية التخزين في البيت «عند فتح كيس الأرز، من الضروري أن أضعه في مستوعبات زجاجية أو بلاستيكية، وفي مكان جاف بعيداً عن الرطوبة، مع وضع القليل من الملح لأنه يمتصّ الرطوبة». كذلك الأمر بالنسبة إلى عملية طهو الطعام «لأنها أساسية للقضاء على المخاطر الجرثومية. فمثلاً ممنوع اليوم أن نأكل البيض “عيون”، يجب أن يُقلى ليتجمّد مئة في المئة». ويبقى الأهم تقوية مناعتنا «إذا كانت مناعتي قوية لن تفتك بي هذه السموم. المناعة الجيدة عبارة على أن لا أدخن السجائر والنرجيلة، النوم أقلّه لسبع ساعات، وممارسة الرياضة. في النهاية الفقير قد لا يستطيع تحسين غذائه لكن يستطيع تحسين مناعته».
Views: 5