مال خلف
يسيطر الفراغ الرئاسي في لبنان مع انقسام القوى السياسية على اسم الرئيس. امام البرلمان مرشح جدي هو زعيم تيار المردة ” سليمان فرنجية ” وتقف خلفه كتلة نيابية صلبة عمادها بشكل أساسي حزب الله وحركة وامل، بينما تجمعت قوى متناقضة الأهداف والتصورات، ظاهريا تدفع بأسماء مرشحين اخرين، وجوهريا هي رافضة لاسم فرنجية بغض النظر عن مواصفاته. بعض هذه القوى “مثل القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، وكتلة هجينة يطلقون على انفسهم لقب “التغييريين” هؤلاء كلهم أصحاب لون سياسي واحد وان اختلفت التسمية امتهن هذا الفريق خلال السنوات الماضية شن الهجمات على حزب الله وسلاح المقاومة وسورية وايران. ولم يكونوا الا صدى صوت السياسات الامريكية في لبنان. وقد انضم لهذا التجمع، الحليف السابق لحزب الله رئيس التيار الوطني الحر ” جبران باسيل ” وعلى الرغم من ان التجمع المناوئ للمقاومة وضع باسيل على لائحة الاغتيال سياسيا، بعد ما عرف بثورة 17 تشرين، عبر حملات إعلامية مكثفة وصلت حد الشتائم الشنيعة بحق باسيل في شوارع بيروت وعلى وسائل الاعلام ووسائل التواصل، الا ان باسيل اصطف مع هذا اللون من اجل هدف واحد هو اسقاط ترشيح “فرنجية”.
في تقييم موضوعي لترشيح فرنجية للرئاسة وسط العبث السياسي الداخلي في لبنان والاراء والمواقف التي تطلق من المنابر الإعلامية. يمكن تثبيت جملة من الحقائق اللبنانية والإقليمية تجعل من فرنجية في قصر بعبدا حاجة للبنان والمنطقة وليس مجرد مرشحا عابرا.
ad
حجة الرافضين لفرنجية تقوم على ان الفرنجية القريب من حزب الله، لن يحقق هدف إعادة البلاد الى الانفتاح على المحيط العربي الذي قاطع لبنان خلال السنوات الماضية، ولبنان يحتاج الى التواصل الخارجي للحصول على المساعدة لاعادة التوازن الاقتصادي والمالي في البلاد.
هذه الحجة كان لها ارجل ربما قبل عام، اما الان فقط سقطت سقوطا مدويا. ومع عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وعودة سورية للجامعة العربية، والمسار الثوري للخارجية السعودية في ملفات حيوية مثل العمل على اغلاق ملف الحرب في اليمن، ووضع حد للمشروع الأمريكي الإسرائيلي لجر المملكة الى التطبيع ونشر عدوى التطبيع في المنطقة، والتوجه العلني للمملكة ودول خليجية لتطوير العلاقة مع ” روسيا والصين “. وبالتالي اغلاق حقبة من السياسات عديمة النتائج والتحول نحو رؤية اكثر واقعية وانفتاحا وذات طابع استراتيجي عميق، كل ذلك يعني ان المقولة إياها ” فرنجية يكرس حالة عزل لبنان لانه قريب من سورية وحزب الله، لم تقسط فقط، بل الاتجاه بات معاكسا تماما، وبات فرنجية الاسم الذي يلاقي هذه التطورات بصورة فعالة.
سيكون اكثر ما يحتاجه لبنان في المرحلة المقبلة وفي ضوء التطورات الحاصلة في الإقليم هو ان يكون فرنجية في قصر بعبدا بما يمثل وما لديه من ميزات وعلاقات متوازنة وشفافة لا يملكها حاليا غيرة من المرشحين المعلنين.
لا يجب الركون في لبنان لحسابات محلية قصيرة النظر لبعض النخبة سياسية، ولا يجب اطلاق الاحكام التقييمية للحالة اللبنانية من منظار الزواريب الضيقة، او تكرار ترداد مقولات ونظريات انتهت مدة صلاحيتها، ومواقف كانت جزء من “عدة الشغل” لحقبة سابقة تكشفت كل تفاصيلها وسقطت عنها ورقة التوت.
وبمعزل عن فرنجية وموقعه كمرشح للرئاسة، ان تجديف بعض القوى والنخبة في لبنان عكس التيار الجارف واتجاهات التحول القائم في الإقليم وفي المشهد الدولي، مراهنين فقط على هبوب الرياح الامريكية لقلب المعادلة، هو مقامرة سيكونون هم الطرف الخاسر فيها، وافضل السيناريوهات المحتملة كنتيجة لهذا العبث هو ودفع الخارج نحو تبني خيارات ثورية لمعالجة الازمة اللبنانية، تعيد تركيبة النظام السياسي من جديد، أي نسخة “طائف” معدلة لابد ان تراعي معايير قائمة ومطالبات مفتوحة على كل الاحتمالات.
اليوم سقطت سردية التجمعات الرافضة لفرنجية، بانهم يبحثون عن اسم من خارج منظومة السلطة، ولا يكون جزء من الطبقة السياسية التي تتحمل مسؤولية انهيار البلاد. وهذا السقوط بات معروفا وواضحا ومؤكدا، لان تنبي القوى الرافضة لفرنجية للوزير السابق ” جهاد ازعور ” كمرشح للرئاسة وهو جزء اصيل من المنظومة التي يشيرون اليها، وتحالف هذه القوى مع جبران باسيل الذي لطالما اعتبروه رمزا للمنظومة الفاسدة، يعني الاعتراض على فرنجية بهذه الذريعة لا معنى له وفاقد للمصداقية امام الراي العام اللبناني.
ثم ان مقولة ان “سليمان فرنجية ” مرشح حزب الله، وقريب من حزب الله، مقولة يجب التوقف عندها لكونها تصور فرنجية كجزء من منظومة الحزب. وللدقة فان حزب الله يثق بان فرنجية في قصر بعبدا يضمن عدم طعن المقاومة او التآمر عليها ونقطة على السطر، وفرنجية للدقة أيضا ليس ملحقا بنهج حزب الله، انما هو حالة وطنية مستقلة داعمة للمقاومة في مواجهة إسرائيل أيا كانت هوية هذه المقاومة، وبالنظر الى عمق المعتقد السياسي عند فرنجية باعتباره من رموز المارونية السياسية التاريخية في لبنان، فان الاتجاه العروبي في عمق النهج السياسي لفرنجية اصيل وثابت، وليس خطابا مصلحيا قائما على مبدأ طالما ردده قادة أحزاب لبنانية بأن العلاقة مع العرب يحتاجها لبنان من اجل جلب المساعدات والاستثمارات لدعم الاقتصاد، ويقصدون طبعا دول الخليج الغنية فقط لا غير، وليس سورية مثلا التي تتشارك مع لبنان بالتاريخ والثقافة والحدود. وهذا خطاب يسيء للدول الخليجية ولا يبنى على علاقة اخوية عضوية بين الدول العربية في السراء والضراء بعيدا عن المنفعة الأحادية الجانب.
ومع استعداد المملكة العربية السعودية لاعادة طرح المبادرة العربية للسلام، والاطراف المعنية بها بشكل أساس هي فلسطين وسورية ولبنان، تبرز أهمية وجود فرنجية في موقع الرئاسة. سيكون الاقدر على التنسيق المباشر مع سورية والرئيس الأسد، لضمان دخول البلدين بموقف موحد، مطمئن للمقاومة وللقوى الوطنية في لبنان. حساسية المبادرة السعودية لا تحتمل وجود رئيس في لبنان تكنوقراط مثل ” جهاد ازعور ” او رئيس معاد لسورية وفلسطين وحزب الله وقوى المقاومة.
اما بالنسبة للملفات اللبنانية الملحة وعلى رأسها مشكلة النزوح السوري، فلا شك ان فرنجية الاقدر على علاج هذه المعضلة سواء من خلال علاقاته مع سورية او من حيث القدرة على اتخاذ القرار لمصلحة لبنان بدون الرضوخ للضغوط الخارجية. كذلك ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية مع سورية، لا نتصور ان سورية يمكن ان تتجاوب مع أي رئيس من الفريق الذي يعلن العداء لها، بينما ستكون مستعدة ومرتاحة لمناقشة هذا الملف مع ” فرنجية “.
وبالرغم من العلاقة المميزة بين فرنجية ودمشق ودراية السوريين بكل هذه الحقائق، الا ان سورية تعلن بشكل حازم انها لن تتدخل في ملف اختيار الرئيس في لبنان، وان الامر منوط بالاتفاق بين اللبنانيين انفسهم، وبالتأكيد لدى سورية أولويات كثيرة وتحديات كبيرة، لكن نعتقد ان على سورية العمل من خلال القنوات المفتوحة مع المملكة والدول العربية على اظهار أهمية ان يكون فرنجية بمواصفاته وليس مجرد الاسم ” مع احترام عراقة الاسم ” بموقع الرئاسة للسنوات المقبلة من اجل مصلحة البلدين.
كل ما ذكرناه لا يعني ان فرنجية مرشح تحدي، او انتصار لفريق على اخر، لان فرنجية نفسه ينفي هذه الصفة عنه ويؤكد انه سيكون رئيس لكل لبنان وعلى مسافة واحدة من كل القوى السياسية، بيد ان الظرف السياسي، والبيئة الإقليمية، واتجاه السياسات الدولية، والاهم متطلبات لبنان الداخلية، كلها تجعل من فرنجية حاجة وليس مجرد مرشح يتحدى به فريق فريقا اخر.
كاتب واعلامي
Views: 4