رهام ماجد قنبر – البلاد
في زحامِ الحياةِ اليومية، وبين الضغوط المستمرة والمسؤوليات المتعددة، يكون البال مزدحمًا دائمًا بالأفكار والمشاعر المتناقضة.
نعيش في عالم يتطلب منا التكيف والتفاعل مع الآخرين، وفي كثير من الأحيان نجد أنفسنا في صراع داخلي بين ما نشعر به وما نظهره للعالم الخارجي.
فهل تساءلت يومًا عن اللحظات التي وجدت نفسك في متاهات الحياة أو أوقعت علاقات هامة في دوامة الهلاك ؟
لعلك تكتشف أن هناك جوانبًا غامضة من ماضيك لم تتمكن من استكشافها بعمق، وهذه اللحظات قد تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل تصرفاتك وتفاعلاتك في الحاضر.
ففي عمق كل منّا يختبئ ذلك الجزء الطفولي الرقيق حاملاً معه أشياء لطالما تراكمت في عالم الذكريات والتجارب.
هذا الطفل الداخلي يلوّن طريقة رؤيتنا للعالم ويؤثر في سلوكنا اليومي ، كان الطفل الصغير فينا يعيش أيام البراءة والإحساس العميق، وقد تركت تلك الأيام أثراً عميقاً على تفكيرنا وتصرفاتنا.
هذا الصراع الداخلي يعرف بـ “الطفل الداخلي”.
الطفل الداخلي هو مفهوم يشير إلى الجزء من ذاتنا الداخلية الذي يحتفظ بذكرياتنا وتجاربنا منذ الطفولة، بالإضافة إلى الاحتياجات والرغبات العاطفية التي لم يتم تلبيتها آن ذاك . يتأثر الطفل الداخلي بتجاربنا المبكرة مثل : العلاقة بين الوالدين، التربية، ما كنا نراه و نسمعه وحينها لم تكن لدينا القوة والقدرة على فهم وتفسير كل شيء ، فالطفل منذ الولادة الى سن السادسة يكون دماغه يعمل ببطء نسبياً (تردد الموجة الدماغية (ثيتا) كان 4-7 دورات في الثانية) والتي تجعله في حالة شديدة الحساسية من ناحية التقبل و التلقي وكذلك التخزين وهو ما جعلنا نتأثر بعمق بتجاربنا التي خضناها.
تلك اللحظات الصغيرة تحمل في طياتها بذور مشاعر قديمة قد اختمرت بمرور الزمن وأثرت في حياتنا الحاضرة.
باختصار أسباب وجود الطفل الداخلي فينا كما ذكَرت هي من الاحتياجات الغير مشبعة أو من التجارب التي خضناها ، فربما يكون الطفل الداخلي يعاني من الشعور بالرفض أو الوحدة، أو يكون هناك نقص في الحنان والإعتناء ، أو تعرض للعنف الجسدي أو العاطفي. هذه الأحداث والتجارب تؤثر على تشكيل شخصيتنا وسلوكنا الحالي .
يأتي هنا السؤال المهم هل تأثير الطفل الداخلي على حياتنا يتجلى في سلوكنا وعلاقتنا بأنفسنا وبالآخرين ؟!
نعم، بالطبع. تأثير الطفل الداخلي على حياتنا يتجلى في سلوكنا وعلاقتنا بأنفسنا وبالآخرين في حياتنا اليومية.
قد يؤدي وجود الطفل الداخلي إلى نمط سلوكي غير صحي، كالكذب ، النميمة ، الغيرة غير الطبيعية ، الخوف المرضي ،العصبية الزائدة ، الإنعزالية ، قلة الثقة بالنفس وبالأخرين ، التشكيك الدائم بدون مبرر ، التسلط وجنون العظمة ، التهرب من المسؤولية وغيرها من أنماط السلوكيات السلبية التي سببها هذا الطفل الداخلي المجروح .
ومن هنا يجب أن نمنح أهمية و جهد كبيرين للعمل على تشافي ذلك الطفل الداخلي، من خلال تعزيز الوعي بالطفل الداخلي وتحديد احتياجاته ومشاعره. فالغوص في تلك الذكريات وإعطاء الطفل الصغير الذي بداخلنا الإهتمام والتوجيه الذي يحتاجه، يمكن أن يكون عملية محورية للإرتقاء نحو التوازن الذاتي والتناغم مع أنفسنا للوصول الى أفضل نسخة من سلوكياتنا وشخصياتنا . وذلك بتوجيه الكلمات الدافئة والمحببة له مثل ( “انا آسف” “سامحني ” “أنا أحبك”
“شكراً لك على الدروس والتعلم” )، وأيضًا بالتخيل الإيجابي والتركيز نستطيع أن نتخلص من الأثر السلبي للماضي ،كما يمكن استخدام العديد من التقنيات والأدوات للتواصل مع الطفل الداخلي مثل : الكتابة ، الرسم، التأمل ، والعلاج النفسي مع أخصائيين و مرشدين نفسيين بهذا نستطيع مساعدة ذلك الطفل الداخلي على الشفاء والازدهار في ضوء الحاضر.
Views: 45