ماذا يجري في حرب الاستِنزاف “شِبه الصّامتة” في جنوب لبنان؟ وما هي المُفاجأة الكُبرى التي كشفتها إحدى الصّحف الأمريكيّة حول أهمّ تطوّراتها؟ وما الذي نتوقّعه من خِطاب “السيّد” يوم الأربعاء المُقبل؟
عبد الباري عطوان
في ظِل الانشِغال السياسي، العربي والعالمي، برصد الانتِصارات الكبيرة التي تُحقّقها حركات المُقاومة الفِلسطينيّة في قطاع غزة، وتَصاعُد حجم الخسائر الإسرائيليّة في الوقتِ نفسه سواءً البشريّة أو العسكريّة، هُناك جبهات أُخرى مُشتعلة، لا تحظى بالاهتِمام وبالتّغطية التي تستحق، ونحنُ نتحدّث هُنا تحديدًا عن حرب الاستِنزاف الاستراتيجي المُتصاعدة حاليًّا في جنوب لبنان التي بدأت مُنذ الثامن من تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، من قِبَل المُقاومة الإسلاميّة بقيادة حزب الله.
صحيح أن “حزب الله” لم يُلقِ بكُلّ ثقله العسكري في هذه الجبهة حتّى الآن، واكتفى مبدئيًّا بإطلاق المُسيّرات الانتحاريّة، وصواريخ الكاتيوشا لقصف المُستوطنات والقواعد والمعدّات العسكريّة الإسرائيليّة، بل لُوحظ أنّه دخل مرحلةً جديدةً بزيادة وتيرة الهجمات العسكريّة كمًّا ونوعًا، واستِخدام أسلحة أكثر تطوّرًا، في هجمات الأيّام الأخيرة، الأمر الذي بات يُضاعف حالة القلق في صُفوف القيادة الإسرائيليّة بشقّيها السياسيّ والعسكريّ التي ربّما تتطوّر إلى حماقةٍ قاتلة.
***
اليوم السبت أعلن الإعلام العسكري التّابع لحزب الله عن استِشهاد 4 مُقاومين من كوادر الحزب، بحيث ارتفع عدد الشّهداء إلى 133 شهيدًا مُنذ بداية حرب التّضامن مع غزة، وأكّد بيانٌ آخر هُجومًا بطائرةٍ مُسيّرة “انقِضاضيّة” على موقع الرمثا وحامية في مزارع شبعا المُحتلّة، مُشَدِّدًا على إصابتها لأهدافها بدقّةٍ عالية، بالإضافة إلى استِهداف تجمّعٍ لجُنود الاحتِلال في حرج “عداثر” قُرب الحُدود مع فِلسطين المُحتلّة وإيقاع أفراده بين قتيلٍ وجريح.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة أكّدت في تقريرٍ لها نشرته اليوم أن عدد النّازحين من مُستوطنات شِمال فِلسطين المُحتلّة (الجليل الأعلى) بفِعل هجمات “حزب الله” بلغ أكثر من 230 ألف نازح، وأشارت إلى أن السّلطات الإسرائيليّة تُحاول إخفاء هذا الرّقم “الكارثي” عن الرّأي العام من خِلال الرّقابة العسكريّة المُتشدّدة، وذهبت القناة الإسرائيليّة الـ 13 الى ما هو أكثر من ذلك بحديثها عن ضائقةٍ اقتصاديّةٍ مُتفاقمةٍ، في الشّمال المُحتل، وأشارت إلى إغلاق بوّابات المُستوطنات لوقف هذا النّزوح (الهُروب) إلّا في حالاتِ الطّوارئ القُصوى وهو أمْرٌ لم يَحدُث مُنذ نكبة عام 1948.
الجِنرال يواف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي هدّد أكثر من مرّةٍ بغزو جنوب لبنان لوقف حرب الاستِنزاف هذه والقضاء على “حزب الله”، وتهديده الوجودي للمُستوطنات الإسرائيليّة في الشّمال، وإعادة المُستوطنين النّازحين الفارّين إلى مُستوطناتهم لأنّ هؤلاء سواءً في جنوب فِلسطين أو شِمالها قالوا إنّهم لن يعودوا إلى مُستوطناتهم إلّا في حالة إزالة خطر تهديدات حماس وحزب الله، ولكنّه لم يجرؤ على تطبيق هذه التّهديدات لأنّه يعرف النّتائج الكارثيّة التي يُمكن أن تترتّب عليها، وأبرزها توسيع نطاق حرب غزة، ودفع الحزب للإلقاء بكُل ثقله في المُواجهة، ونحن نتحدّث هُنا عن الصّواريخ الباليستيّة الدّقيقة التي لم تُستَخدم بعد، وكذلك أنواع أُخرى من الأسلحة التي سيُؤدّي استِخدامها إلى صدمةٍ كُبرى لدولة الاحتِلال وجيشها حسب ما أبلغنا مصدر مُقرّب جدًّا من محور المُقاومة.
المبعوث “الأمريكي” عاموس هوكشتاين من المُفترض أن يصل إلى لبنان خِلال الأيّام القليلة المُقبلة في مُحاولةٍ لتهدئة الجبهة الجنوبيّة اللبنانيّة، ووقف حرب الاستِنزاف، فهذا المبعوث الإسرائيلي المَولد والوَلاء، والخادم في الجيش الإسرائيلي يُدرك مِثل “مُعلّمه” أنتوني بلينكن، وزير الخارجيّة، أن إلقاء حزب الله بكُل ثقله العسكريّ في حرب التّضامن مع قطاع غزة سيكون إعلانًا عمليًّا عن بِداية النّهاية لدولة الاحتِلال.
نُؤمن إيمانًا راسخًا بأنّ محور المُقاومة يُنفّذ استراتيجيّة النّفس الطّويل، ويُوزّع الأدوار على الدّول والحركات الأعضاء فيه، سواءً في جنوب لبنان، أو في البحر الحمر وباب المندب، (قصف إيلات وحظر مُرور السّفن الإسرائيليّة)، أو في العِراق وسورية (قصف القواعد الأمريكيّة)، ولا ننْسى إرسال فصائل عِراقيّة لمُسيّرات لقصف حقل غاز “كاريش” اللبناني المسروق لتجنّب “حزب الله” أيّ حرج لبناني داخلي.
***
خِطاب السيّد حسن نصر الله الذي سيُلقيه مساء الأربعاء المُقبل بمُناسبة استِشهاد كُل من الجِنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وزميله أبو مهدي المهندس، والذي يأتي بعد غياب “غير معهود”، سيُجيب عن العديد من الأسئلة التي تدور في الأذهان هذه الأيّام حول تطوّرات الأوضاع الرّاهنة في الجبهة اللبنانيّة، وربّما الكشف، بشَكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، عن خطط الحزب المُستقبليّة، العسكريّة منها، أو السياسيّة، والأسباب التي حالت دُونَ التّوسيع التّقليدي المُتوقّع لحرب غزة، واكتِفاء الحزب بحرب الاستِنزاف مرحليًّا.
لا نُريد استِباق الأحداث، أو الانزِلاق إلى مصيدة التكهّنات، وكُل ما نستطيع قوله إنّ هذا الخِطاب سيكون حافلًا بالجديد، خاصَّةً أنّه يأتي بعد الانتِصار الكبير في قطاع غزة، وبعد اغتِيال الشّهيد رضى الموسوي، مُستشار سليماني، وأحد أبرز المسؤولين الإيرانيين على صعيد تسليح المُقاومة في لبنان، والضفّة الغربيّة، وقطاع غزة، والعِراق، وربّما اليمن أيضًا.
اعتِرافُ الإسرائيليين بنُزوح 230 ألف مُستوطن من الشّمال الفِلسطيني المُحتل بفِعل صواريخ “حزب الله”، ولأوّل مرّة مُنذ 75 عامًا، يُشكّل هزيمة كُبرى للمشروع الصّهيوني الذي تقوم أبرز أُسسه واستِمراره على التّوطين وليس النّزوح، وانتصار كبير لمنظومة وحدة السّاحات في فصلها الأوّل.. والأيّام القادمة حافلة بالكثير من المُفاجآت الصّادمة لدولة الاحتِلال وراعيتها الأمريكيّة.. والنّصر صَبْرُ ساع
Views: 13