الطّويلة.. كيف ردّ السيّد عبد الملك الحوثي على التّحذيرات الأمريكيّة؟ ولماذا تَهرُب الدّول من حِلف حماية البحر الأحمر ويتناقص عددها بشَكلٍ مُتسارع؟ وما هُما الحماقتان اللتان يرتكبهما الرئيس بايدن وينتظرهما اليمنيّون؟
عبد الباري عطوان
أمريكا “تركض” بشَكلٍ مُتسارعٍ للسّقوط في مِصيدةٍ عسكريّةٍ ينصبها لها اليمنيّون في البحرين العربيّ والأحمر في إطار دفاعها المُستَميت عن مصالح “إسرائيل” ودعم حرب الإبادة التي تشنّها في قِطاع غزة مُنذ ثلاثة أشهر.
الأشقّاء في اليمن، وانطِلاقًا من مواقفهم العربيّة والإسلاميّة المبدئيّة أغلقوا البحر الأحمر ومضيق باب المندب في وجه السّفن الإسرائيليّة أو الأخرى التي تحمل بضائع إلى موانئ دولة الاحتِلال في “أم الرشراش” (إيلات) في خليج العقبة أو حيفا وأسدود على شواطئ البحر المتوسّط، تضامنًا مع المُقاومين في قطاع غزة، وأكّدوا أن هذا الخطر لن يُرفَع إلّا بعد وقف العُدوان الإسرائيلي ودُخول جميع قوافل المُساعدات إلى القطاع.
اليمنيّون أقرنوا القول بالفعل، واعتَرضوا وقصَفوا عدّة سُفُن إسرائيليّة أو مملوكة لإسرائيليين، أو تحمل بضائع إلى دولة الاحتلال، ولم تُرهبهم التّهديدات الأمريكيّة، بل ذهبوا إلى ما هو أجرَأ من ذلك عندما أطلقوا صواريخ ومُسيّرات باتّجاه بوارج أمريكيّة في البحر الأحمر.
***
إدارة الرئيس بايدن ارتكبت حماقتين قد تدفع ثمنًا غاليًا جدًّا نتيجةً لها:
-
الأولى: إغراق سُفنها الحربيّة في البحر الأحمر ثلاثة زوارق يمنيّة يوم الأحد الماضي، واستِشهاد عشرة من طواقمها بعد اقتِرابها من بارجةٍ بحريّة أمريكيّة وإطلاق النّار عليها.
-
الثانية: تأسيسها (أمريكا) تحالفًا دوليًّا يضم 20 دولة (تراجع العدد إلى 12) تحت عُنوانٍ مُضلّل اسمه حماية المِلاحة في البحر الأحمر وهو في الواقع حماية السّفن والمِلاحة الإسرائيليّة، وأصدر هذا التّحالف اليوم (البحرين، أستراليا، كندا، بلجيكا، المانيا، إيطاليا، اليابان، نيوزيلندا، بريطانيا، الدنمارك، هولندا) تحذيرًا لليمن من مُواجهة عواقب وخيمة إذا لم يُوقفوا هجماتهم على السّفن في البحر الأحمر.
الرئيس بايدن أجرى مُشاورات مع فريقه للأمن القومي بشأن الخِيارات المُمكن اتّخاذها لردعِ القوّات البحريّة للحُكومة اليمنيّة، وأرسل قبلها حاملة الطّائرات “دوايت إيزنهاور” إلى البحر الأحمر لتعزيز تهديداته المذكورة آنفًا.
القوّات البحريّة اليمنيّة لم تعبأ بهذه التّهديدات مُطلقًا، واستهدفت صواريخها أمس الأربعاء سفينة حاويات، ودمّرت قبل يومين شاحنة سيّارات رفض طاقمها الخُضوع للأوامر بالعودة لأنها كانت في طريقها إلى حيفا، ونشرت وسائل التواصل صُورًا لها والنيران تأكُلها.
السيّد عبد الملك الحوثي زعيم حركة “أنصار الله” الحوثيّة لم يصمت على هذه التّهديدات الأمريكيّة، وبادر على الفور بردٍّ حاسمٍ صارمٍ يُؤكّد بأنّ أيّ اعتداءٍ على القوّات اليمنيّة وزوارقها في البحر الأحمر “لن يمرّ دُون عقاب”، ودعا أنصاره للنّزول إلى الشّوارع والميادين في العاصمة صنعاء ومُدن أخرى في مُظاهرات مليونيّة غدًا الجمعة احتجاجًا على هذه التّهديدات، وتضامنًا ودعمًا للأشقّاء في قطاع غزة، وللتّأكيد على أنّ الشعب اليمني لن يتراجع عن موقفه الإيماني ولن يخضع للمُستَكبِرين.
هذا الموقف الأمريكي العُدواني تُجاه اليمن، ودعمًا للاحتلال الإسرائيلي ومجازره، سيُكلّف الولايات المتحدة وحُلفاءها خسائر ضخمة، لأنّ الشعب اليمني لا يُساوم على قيمه ومبادئه وإرثه التاريخيّ الحضاريّ المُشرّف الذي يعود إلى أكثر من ثمانية آلاف عام ولم يَخُض الشّعب اليمني حربًا إلّا وانتصر فيها، سواءً ضدّ امبراطوريّات عالميّة عُظمى في كُل العُصور أو دُول الجِوار الإقليمي، والولايات المتحدة لن تكون استِثناء.
نَفَسُ اليمن طويل، وصبره بلا حُدود، والتّضحية والشّهادة تحتلّ قمة قيمه ومبادئه، ويُقاتل أعداءه حتى النّهاية، أي النصر، ولهذا انخفض عدد الدول المُشاركة في التّحالف البحَري الأمريكي إلى 12 دولة، وكانت فرنسا أوّل المُنسَحبين، خوفًا، أو بالأحرى تَجَنُّبًا للهزيمة المُؤكّدة.
كان لافتًا أن هذا التّحالف الأمريكي لم يضم أيّ دولة عربيّة أو إفريقيّة، مُشاطئة للبحر الأحمر، وعلى رأسها دُول كبرى مِثل مِصر والسعوديّة، وتجنّبت دُول عالميّة كُبرى مِثل اسبانيا الانضِمام إلى هذا الحِلف بل عارضته، لأنّها لا تُريد الدّفاع عن دولةٍ ترتكب المجازر وحُروب الإبادة والتّطهير العِرقي في قطاع غزة، وكانت مملكة البحرين هي الدّولة العربيّة اليتيمة الوحيدة التي كسرت هذا الإجماع العربيّ.
***
اليمنيّون الذين دمّروا البارجة الأمريكيّة “يو إس إس كول” في خليج عدن عام 2000 في عمليّةٍ “استشهاديّة” وأعطبوها وقتلوا 17 من جُنودها، من غير المُستبعد أن يستهدفوا حاملة الطّائرات “إيزنهاور” خاصَّةً أنهم يملكون صواريخ “ياخوند” الروسيّة في طبعتها الإيرانيّة، المُضادّة للسّفن، واستخدمها “حزب الله” في تدمير بارجة إسرائيليّة قُبالة بيروت أثناء حرب عام 2006.
أمريكا إذا تورّطت في حربٍ ضدّ اليمن واليمنيين دفاعًا عن “إسرائيل” ستندم ندمًا شديدًا، وستترحّم على هزائمها وخسائرها في حربيّ أفغانستان وفيتنام، ليس لأنّه لا يُوجد هُناك ما يخسره اليمنيّون، وإنّما لأن هؤلاء بأسُهم شديد، وينتظرون اليوم الذي يُلقّنون فيه الأمريكان والإسرائيليين درسًا لن ينسوه بضمّهم إلى قائمة المهزومين المُعتدين اليمنيّة الطّويلة.. والأيّام بيننا.
Views: 12