نايا ظاظا
هل تتجه حركة عناصر الثقافة الشعبية (الفولكلور Folklore) من أعلى إلى أسفل داخل الكيان الاجتماعي، وهي الظاهرة المعروفة في التراث “بنزول الأدب من الطبقة المثقفة أو الصفوة إلى الطبقة الأم أو الطبقة الدنيا للشعب”؟
صحيح أن باحثين عرب طبّقوا هذه الفرضية على شواهد عديدة من الثقافة الشعبية لاثبات صحتها، لكن ثمة باحثين آخرين رفضوا المبالغة في هذا الادعاء، وحسبان أن كل أدب الطبقات الأدنى أدب “نازل” من الطبقات الأعلى. وإذا كانت فرضية “ارتفاع” أو نزول” الثقافة الشعبية من “الأدب الرفيع”، تتعلق بطبقة مثقفة هدفها الايحاء بأن الطبقة الشعبية غير قادرة على إنتاج أدب قيّم، يبقى التحدي الأبرز، هو نظرة الأجيال العربية “الخجولة” إلى الأدب الشعبيّ أو رفضه، لظنّها أن هذا الأدب لا يعبّر عن عصرها، وبيئاتها، و”أدواتها الحضارية المستجدة.
– من الريف إلى المدينة
يمكن القول إن عوامل التباين بين الماضي والحاضر مبالغ فيها، لأنه ثبت بالتجربة والممارسة، أنه مهما تغيّرت المؤثرات الاجتماعية، والمظاهر المادية، فإن دوافع أفعال البشر، ومواقفهم من مشكلات الوجود الكبرى، تبقى إلى حدّ ما ثابتة في قسماتها الرئيسة من خلال ما تنتجه من آدابها الشعبية، وإن عبّرت عن نفسها في صور متنوعة. تضاف إلى ذلك، الإشارة إلى أن الملمح الرئيس لأصل الثقافة الشعبية (الفولكلور) عمومًا، والعربي خصوصًا، هو أنه قرويّ ريفيّ، وقبائلي (وحدتها القبيلية)، ويعبّر عن ذلك بأنها مجموعة من الناس لها بناء اقتصادي محدد، فنتج عنه بناء ثقافي متكافئ أو متوازٍ. لكن مع اجتماع الناس في المدن، ووقوفهم على أرضية مشتركة من المصالح المتبادلة، بدا أن تطبيق القاعدة السابقة نفسها، ممكن، وبالتالي نتج من هذا الاجتماع ثقافة شعبيّة تعكس روح ما يعاني منه هؤلاء يوميًّا بحثًا عن لقمة العيش، أو عن أمزجتهم وأفراحهم وأحزانهم، أو عن ردود أفعالهم على الأحداث والوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذا لم يجد هؤلاء حرجًا من استعادة أنواع من الثقافة الشعبية (على الرغم من نكران البعض ذلك!)، وصياغتها مجددًا بحسب ما يقتضيه واقع الحال، بحكم ما تتمتع به الثقافة الشعبية من خصائص تتلخص بالمؤلف المجهول، والتناقل الشفويّ، والإنتشار والتداول، والتعبير عن وجدان الجماعة، إلخ.
ولا شك، إن التفاعل المستمر بين الأدبين الشفويّ والمدوّن، قد يساعد في هذا البناء الثقافي، لاستعارة مؤلفي الأدب المدوّن حكايات وموضوعات وتقنيات من الأدب الشعبيّ، والعكس صحيح أيضًا.
وإذ يبدو أنه من المسلّم به، قبول خضوع أنواع من الثقافة الشعبية لقانون الموت والتحول والتطور، مثلها مثل كل الأنوع الفنية الأخرى، فإن الثقافة الشعبية (الفولكلور) في المحصلة (ولا سيما الأدب الشعبي)، هي “التراث الروحي للشعب”، ويطابق هذا التعريف توصيات وفود مؤتمر أرنهايم (Arnhem) الذي عقد في هولندا (Holland) في العام 1955، وعبره يصل الإنسان إلى القصد بتعبير أقصر على مختلف درجاته في الثقافة والإدراك، فهو “من حيث تعريف البلاغة (مطابقة الكلام لمقتضى الحال) موافق كل الموافقة لهذا التعريف”.
Views: 35